بقلم / سعدة الصابري
تواصل باريس محاولاتها الحثيثة لاستعادة دورها من جهة، وحماية أمنها الداخلي من جهةٍ أخرى. فبعد الحديث عن طلعات الاستطلاع الجوي فوق الأراضي السورية بغرض شن ضربات جوية على تنظيم داعش الإرهابي، ها هي الدولة، الفخورة بعلمانيتها حتى النخاع، تتبنى قضية الأقليات المضطهدة من قبل المتطرفين في منطقة الشرق الأوسط.

ملف الأقليات يعود إلى الواجهة الأقليات، التي تضم الايزيديّة والشبكيّة والمانديّة والمسيحيّة، كانت دوماً بين الفئات الأكثر نزوحاً منذ نشوب الحرب السورية، لا بل منذ احتلال العراق وظهور الميليشيات التكفيرية المسلحة. لكن، اليوم، مع تمدد تنظيم الدولة الإسلامية داعش وقبوله بمبايعة جماعات أو أتباع جدد يتواجدون في كل منطقة يريد الوصول إليها، مثل أنصار بيت المقدس في سيناء، وأنصار الشريعة في ليبيا، وغيرهما، أخذت موجات النزوح داخلياً واللجوء خارجياً في التوسّع لتشهد أوروبا، لأول مرة منذ 70 عاماً، أضخم تسونامي مهاجرين على الإطلاق. ومع تنامي خبرة المرتحلين، تعددت طرق تسللهم إلى القارة العجوز، ليفوق عددهم الطاقات الاستيعابية لدول الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي دفع بأوروبا، وبفرنسا تحديداً، إلى إعادة تسليط الضوء على ملف الأقليات.

هل ينتقل النزاع الطائفي إلى أوروبا؟

بالتوازي مع تدفق سيل اللاجئين، تسرب الخوف والقلق إلى مفاصل دول الاستقبال التي، وعلى الرغم من مبادئها التي تجبرها على استضافتهم والاعتناء بهم، إلا أنها تعي جيداً الخطر المحدق بها. فمن جهة، تتخوف بعض الدول المتمسكة بجذورها من طمس هويتها المسيحية، ومن جهةٍ أخرى، تخشى الدول العلمانية من اندساس أتباع التنظيمات الإرهابية داخل صفوف اللاجئين، ما يعني نقل الحرب الطائفية من دول المنشأ إلى قلب أوروبا النابض بالحرية والعلمانية. فبعد أن كانت مسارات تصدير المقاتلين تتجه من أوروبا نحو الشرق الأوسط، قد تكون أفواج اللاجئين ما هي إلا مسارات عكسية للمتطرفين، لاسيما في ظل حوادث الإرهاب التي تشهدها أوروبا من حينٍ لآخر.

أزمة اللاجئين وشعبية اليمن يتزامن ذلك مع الضغط الذي تمارسه بعض أحزاب اليمين واليمين المتطرف التي تنظر للموضوع برمته بعين الشك والريبة، معتبرةً أن جهاتٍ بعينها تسهّل دخول اللاجئين بهدف استعبادهم وتقليص فاتورة الإنفاق على اليد العاملة، لافتةً في الوقت نفسه إلى خطر استقبال هذا العدد القياسي وانعكاسات ذلك، في المديين المتوسط والبعيد، على سوق العمل وفرص السكان الأصليين فيه، ونتائج الانتخابات التي سيكون للاجئين حق، يوماً ما، في الإدلاء بأصواتهم خلالها، وعلى النسيج الاجتماعي ما قد يؤدي إلى تغيير المباديء والقيم التي بنتها اوروبا على مدى سنين طويلة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

لا مناص من التحالف من الأنظمة والأقليات القائمة عملاً بالمثل القائل “من يلعب بالنار يحرق أصابعه”، يحاول الغرب تجنب نار الفراغ السياسي والعسكري في منطقة الشرق الأوسط، بعد أن أدرك بأن سقوط النظام السوري، بكل خبرة ضباطه ومسؤوليه في ملف الإرهاب، وانهيار العراق، وتفتت لبنان، كل ذلك معناه تكرار السيناريو الليبي ومن ثم السيطرة المطلقة للتنظيم الإرهابي الذي أتاحت له الانقسامات الطائفية في المنطقة والثغرات في مقاربة التحالف الدولي، فرصة البقاء والتمدّد.
وفي هذا الإطار، يعي الغرب جيداً أن الغارات الجوية ضد داعش حتى ولو استمرت عشرات السنين لن تجدي نفعاً، ما لم تكن مصحوبةً بعمليات برية واسعة النطاق. وهو الأمر الذي يمكن أن يعتمد فيه على الجيوش، أو بقايا الجيوش، الموجودة في المنطقة. فعلى الرغم من وجود جيش قوي في مصر، إلا أن الحال يختلف عند الحديث عن سوريا والعراق وليبيا. ومع استحالة أي تدخل بري، غير محمود العواقب، يقوم به التحالف، فهذا الأخير بحاجة إلى التنسيق مع القوات العسكرية السورية والعراقية من أجل تنفيذ عمليات على الأرض، حتى وإن كانت تلك القوات قد أنهكتها الحرب وخارت قواها، إلا أنها، مع تجديد المقاربات الدولية، قد تسري الحياة في أوصالها من جديد، لاسيما مع استعداد حلفائها لدعمها إذا لزم الأمر من خلال قواته المرابضة على مقربة منها. كما يعلم التحالف جيداً أنه بحاجة لجميع قوى المنطقة، بما في ذلك إيران وروسيا وتركيا ودول الخليج، من أجل جمع المعلومات الاستخباراتية اللازمة لمعرفة نقاط ضعف التنظيم واستغلالها.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن دمج المذاهب والطوائف والإثنيات المتعددة في قوة عسكرية وأمنية واحدة من شأنه أن يساهم انخراط جميع فئات المنطقة في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وربما كان هذا هو السر الكامن وراء التغيرات التي طرأت على لهجة السياسيين الغربيين وتصريحاتهم الأخيرة الرامية إلى إيجاد صيغة تسوية سياسية لحل النزاع في سوريا، فذلك هو السلاح الوحيد، من وجهة نظر الغرب، القادر على كسر شوكة تنظيم داعش وتدميره.
صحفية وإعلامية ليبية
نقلا عن القدس العربي

حول الموقع

سام برس