بقلم/ عبدالوهاب العمراني
بضعة أيام تفصلنا عن ذكرى سقوط صنعاء العام الماضي في 21 سبتمبر الأسود ، والذي لم يخلط الأوراق فحسب بل أعاد اليمن للمربع الأول مما جعله يهرول للهاوية ففي غفلة من الزمن وبتواطئ اللاعبين الفاعلين الرئيس السابق(صالح) والرئيس الحالي(هادي) قفز حفنة من الميليشيا بالانقضاض على الدولة بذريعة ومسوغات مفضوحة مستغلين أوجاع وهموم الشعب وحالة الفساد والفراغ السياسي بتحالفهم مع من شن عليهم ستة حروب همه الانتقام من اجل العودة للسلطة من خلال توريث السلطة لنجله ، في حين لم يكن الحوثيين سوى منفذين لأجندات خارجية .

ولا يعول اليمنيون على لقاء أطراف الصراع للتشاور في آلية تنفيذ قرار مجلس الأمن 2216 لافتقاد حسن النوايا من جهة ولان الحوثيين تحديدا يعتبرونه انتحار واستسلام ولكنه بطريقة دبلوماسية ، ويبدو ان ضغوطات أممية تمارس لمثل هذه المشاورات ، في الوقت الذي غدت العاصمة صنعاء ذات الثلاثة ملايين ورقة ضغط لكلا الطرفين التحالف والانقلابيين( صالح والحوثي) فتسييس الحالات الإنسانية سمة قبيحة لهذا الصراع منذ بدايته سوى في الهدن الفاشلة او لقاء جنيف الفاشل قبل نحو ثلاثة أشهر او هذا اللقاء المرتقب .

قُدر لليمنيون ان يصبحون حقل تجارب لمغامرات مراهقي السياسة سوى كان في الشمال أو الجنوب الذي تجسد في فرض نظام غير توافقي سوى القبائل الماركسية في الجنوب والذي أفضى لمجزرة 13 يناير2006م أو تحالف المؤسسة العسكرية مع القبيلة والإسلام السياسي تارة مع طرف في حرب 1994م وتارة أخرى باغتصاب السلطة مع من شن ضدهم ستة حروب عبثية ميليشيا لا تعرف سوى لغة السلاح والعنف وذلك بعد نحو عام الحوار السياسي ، وجر اليمن لسلسلة من الماسي لا أحد يعلم كيف ومتى ستكون نهاية المؤامرة .

إنها عبقرية المكان ولعنة الزمان ، فالأزمة اليمنية تجاذبتها طرفي النزاع المحلي والإقليمي بتسلط حفنة من المهووسين بالسلطة انقسمت واختلف في كيفية توزيع المصالح والنفوذ فوأدت ثورة الربيع العربي ودخل طرف ثالث ليقضي على الجميع مقرونا بفشل ذريع في تحقيق الأمن والتنمية الذين يتشدقون به ، بحيث افرز ربيعاً يمنية مشوها أفضى لانسداد الأفق السياسي مع ترقب ورصد إقليمي خليجي يشعر بالخطر من تمدد وأطماع إيرانية في خاصرته الجنوبية.

وكما ان هناك أخطاء وفشل يمني أفضى لهكذا حالة فأن الإقليم أجرم بحق اليمن أولاً بعدم مساعدة اليمن اقتصاديا والنظرة إليه فقط من زاوية أمنية تماما مثل الرؤية الأمريكية التي تجعل من اليمنيين سداً منيعاً لمقارعة فلول القاعدة نيابة عن بلدان الخليج فقد اقتصر اهتمام السعودية في الدعم لبعض مشايخ القبائل وبعض رموز النظام ، وسياسياً ،أخفقت في معالجة الأزمة اليمنية في مبادرتها سيئة الصيت بحيث منحت حصانة لمن لا يستحق من لا يملك هذا الحق ، تجاهلت دول الخليج نمو وتصاعد وخطورة الظاهرة الحوثية وهى ترى صنعاء تسقط أمام مرأى ومسمع المجتمع الدولي ولم تحرك ساكناً إلا بعد ان تثبتت أقدام الحوثيين وتغلغلوا في أجهزة الدولة العميقة متعاونين مع من يفترض ان الثورة قامت ضد ومع من شن عليهم ستة حروب عبثية ، مما صعب نزع السلطة منهم بحرب قاربت النصف عام.

وفجأة رأي اليمنيون بأنهم بين فكي رحى عدوان داخلي وخارجي ، فكما قال ابن خلدون بأن الطغاة بجلبون الغزاة ، نحو ستة من الدمار المزدوج لقصف قوات التحالف يوجهه ضرب قوات تحالف صالح الحوثي بقصف مدن يمنية يفترض ان تضى برعاية وتأمين الدولة ، وبالطبع لم تأتي هذه الحرب من فراغ فهي تحصيل حاصلة للصراع على السلطة بين الرئيس السابق الذي تماهى بتطلعات الحوثيين فأفضى لحلف غير مقدس كان نتيجته إنسداد الأفق السياسي وبالتالي فأن النتائج بناء على هذه المقدمات .

فشل ساسة اليمن والذين يمثلهم المحاور الثلاثة جهتي تحالف صالح والحوثي فالأول كالثاني ليس له شرعية للتصرف بالقوات المسلحة ولعب دور سياسي بعد منحه حصانة والثاني قام بانقلاب بمساعدة من شن عليهم ستة حروب عبثية .

أما الطرف الثالث فهو هادي الذي ارتكب سلسلة من الأخطاء الإستراتيجية ، ولابد ان يضع الجميع تحت المسائلة والمحاسبة فهادي قد تواطئ مع صالح في سقوط صنعاء والسكوت عنهم وكان يفترض تقديم استقالته في سبتمبر وليس بعد ان تغلغل الحوثيين في مؤسسات الدولة.

تواطئه مع صالح في سقوط عمران والتي كانت بوابة سقوط صنعاء .
توقيع اتفاق ماسُمى بالسلم والشراكة ، تحت أسنة الرماح بل وانتظرهم 48 ساعة لنحو يومين لحين سيطرتهم على صنعاء كاملة.!

سمح للحوثيين ان يشاركوا في الحوار وهم ميليشيا وكان يفترض عدم الاعتراف بهم إلا في حال تسليم الأسلحة ودخول صنعاء بدون سلاح
عندما أشرفت نهاية فترته القانونية المحدد كان الأحرى أن يصدر بيان أما البرلمان بأنه وصل إلى طريق مسدود بالتشاور المسبق مع الدول الخليجية الراعية للمبادرة الخليجية والمجتمع الدولي انه لم يستطع ان يوفي بتعهداته ويعتذر للشعب ليتعامل بشفافية ولكن ضعف قيادته جعلته بين اغرأت السلطة التي قذفت الأقدار به لسدة الحكم وبين تهديد خصومة المتطلعين للسلطة (صالح الحوثي الجنرال العجوز آل الاحمر) ويدعو لانتخابات مبكرة ، بل حتى لو رفضها المجلس التشريعي البرلمان حينها وكلفه سيكون مكلفا بمدة زمنية وبخطة زمنية وانجده يسير عليها
لان الرئيس السابق صالح تمسك بالمؤتمر وجعله مسمار جحاء لاستمرار دوره السياسي فتمسكه بالمؤتمر و»العض عليه بالنواج« ، وكأنه الحزب الذي صنع المعجزات لليمن مع ان اسم هذا الحزب مقرونا بالفساد والمصالح ، وجعل المؤتمر بدلا من ان يكون وسيلة للديمقراطية غدا هدف أسمى واهم من الدولة نفسها ، والمؤتمر مثل كل الاحزاب اليمنية مخطوفة وليست فيها ديمقراطية مع ان من يخسر السلطة في الحزب يقدم رئيس الحزب استقالته تلقائيا ويترك الفرصة لقيادات جديدة ، ومن هنا فكان الأحرى بأن يدعوا قواعد المؤتمر لتحديد رئيس جديد طالما هو حزب السلطة وليس سيطرة الحزب على السلطة.

والخلاصة بأن مراهقي السياسة جعلوا من هذا الشعب حقل تجارب دفع الثمن غاليا وأفضى لما نحن عليه ، والإشكال أن من عبث باليمن لعقود وحليفهم الجديد المتطلع للسلطة يأملون بحصة لمقاسمة السلطة مستقبلا بل ويسعون لرسم ملامح المستقبل فهم جزاء من المشكلة وليسوا بالتأكيد جزاء من الحل ، كيف سيحكمون وطناً مدمراً وجبال من الجماجم والضحايا..؟

سيلفظهم الشعب جميعا ومن رحم المعاناة سيولد يمن جديد مدني ودولة علمانية دون استقوا بالخارج عربياً كان او أعجمياً ، دولة يسودها القانون والعدالة ، فالعدل أساس الحكم.
* كاتب وسياسي يمني
نقلا عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس