بقلم/ عبده قناوي
إذا ما دققنا النظر جيدا في الحرب الدائرة في اليمن، لنبحث عن القاتل والقتيل، عن العدو والصديق، فمن يمكننا أن نصفه في صفوف الأعداء، ومن نصنفه بين أصدقاءنا، خاصة إذا ما وجدنا أن طرفي المعركة أشقاء لنا في العروبة وإخوة لنا في الدين، وينتمون إلينا في الدم والعرق، ويتحدثون لغتنا العربية.. إن الطرفين إذا من العرب، فلمن نصفق بعد نهاية الحرب، وفيمن نشمت عند زيادة الخسائر.

بحسابات بسيطة وبعيدا عن الطائفية والصراعات المفتعلة بين السنة والشيعة من العرب والمسلمين، نرى أنه في هذه الحرب التي لا هدف لها يخسر الجميع، فلا رابح قبل بداية الحرب ولا بعد نهايتها، والتي تلوح في الأفق القريب بأحد سيناريوهين لا ثالث لهما، حيث خسارة طرف من الطرفين للمعركة، واستسلامه لشروط الطرف الثاني، أو الاحتكام لطاولة المفاوضات “وهي الأقرب”، لحسم المعارك التي راح ضحيتها آلاف الأبرياء من الشعب اليمني الشقيق.

إن استمرار الأوضاع على ما هي عليه الآن لا يمكن لأي شعب أن يتحملها، فالأزمة تتفاقم مع استمرار الحرب والحصار المفروض على الشعب اليمني، ومع استمرار ضربات طيران القوات الخليجية للمحافظات اليمنية، دون مراعاة للأخوة ولا للمصير العربي المشترك، في حرب الخاسر الوحيد فيها هو الشعب اليمني في المقام الأول، ويأتي من بعده الأمة العربية كلها، فاليمن باتت تحتاج لعشرات السنين لتعود لما كانت عليه بلد “سعيد”، بعد أن صارت الكثير من مدنها يسكنها الأشباح، وتفوح منها رائحة الموت.

وفي الحقيقة، أنا لا أجد سببا حقيقيا لأن تشن دولة عربية حربا بهذه الشراسة على شعب شقيق، فهذه الحرب لن تجني سوى المزيد من الدماء، والمزيد من الدمار والخراب في ربوع اليمن الذي كان سعيدًا، حتى قررت دول الخليج بقيادة السعودية أن تفرض وصايتها وتختار له خياراته بالقوة، بدلا من أن تدعو الأطراف المتصارعة للحوار وإنهاء خلافاتهم بطرق ودية، قررت أن يكون الحل بالقوة، ولكن كيف ذلك والسعودية لم تستطع حتى حماية حدودها الجنوبية.

لقد ورطت الرياض نفسها في معركة لم تكن خسائرها متوقعة بهذا القدر، ولم تكن في حساباتها عندما قررت خوض الحرب، فالخسائر التي منيت بها السعودية ومعها الإمارات، خاصة في مأرب، جعلتها تشعر بمرارة الحرب، والتي خاضتها حماية لشرعية الرئيس منصور هادي – بحسب قولها – ما أدى لسقوط آلاف الأبرياء من أبناء الشعب اليمني، ولم تنجح حتى الآن في دخول صنعاء.

وبالإضافة للخسائر التي منيت بها قوات التحالف العربي، فهناك انشقاقات بدأت تظهر، في ظل إصرار السعودية على تقريب جماعة الإخوان المسلمين، والتي يميل إليها الملك سلمان بن عبد العزيز، ويتشاور معهم في كل كبيرة وصغيرة بشأن المعارك الدائرة في اليمن، واستقبلت الكثير من رموز الجماعة على أراضيها، وهو ما ترفضه الإمارات التي تمثل الضلع الثاني المهم في التحالف العربي، حيث تعادي جماعة الإخوان، وتعتبرها جماعة إرهابية، ولا تقبل أن يكون لها مستقبل في الحكم في اليمن كما تريد وتخطط لها السعودية، الأمر الذي قد يثير أزمة بين البلدين، فالإمارات لا يمكن أن تقبل أن تقدم كل هذه الخسائر من أجل وصول الإخوان لحكم اليمن أو حتى الاشتراك في الحكم.

ولا تنته الخلافات عند هذا الحد، فهناك خلافات بين الحراك الجنوبي، والرئيس منصور هادي، والذي لا يريد الحراك استمراره في منصبه، لذا تفكر السعودية في استبدال هادي بنائبه خالد بحاح، والذي لا يحظى هو الآخر بقبول كبير لدى أعضاء الحراك الجنوبي، لكن التحالف العربي يخشى في حال التخلي عن “هادي”، اتهامه بالتخلي عن حليفهم في اليمن، بل ربما يتهم بأنه خسر رهانه في إعادة الشرعية للبلاد مرة أخرى – حسب رؤيته – والتي تتمثل في عودة الرئيس هادي للقصر الرئاسي في العاصمة صنعاء، وهو الهدف الذي يسعى التحالف لتنفيذه بقوة السلاح، في حين تدعو الأمم المتحدة وعدد من الدول القريبة للحوار وفي مقدمتهم مصر، إلا أن جدية الحوار تختلف باختلاف الوضع على الأرض.

ففي الوقت الذي وضعت الحكومة اليمنية شروطها لقبول الحوار، جاء الهجوم على معسكر القوات العربية في مأرب، وهو الهجوم الذي يمكن وصفه بالمفصلي، فهو الذي أوقف الزحف الخليجي على “صنعاء”، وهو الهجوم الذي لم يكن مجرد مصادفة، حيث أنه كبد قوات التحالف خسائر فادحة، ما يؤكد أنه كان مخططا له بشكل دقيق، حيث أنه أصاب أهدافه بدقة كبيرة، وخلف الكثير من الضحايا، الأمر الذي أوقف الزحف الخليجي نحو صنعاء، وقد يجبر هادي على قبول الجلوس على طاولة المفاوضات لبحث حل يرضي جميع الأطراف.

وفي الوقت الذي بدأ الجميع يحصي ما بين كفيه من أوراق يدير بها اللعبة، ظهرت بوادر طيبة قد تقود للاستقرار، حيث نشأ تحالف قوي بين حزب المؤتمر الشعبي بقيادة الرئيس السابق علي صالح، وبين جماعة أنصار الله “الحوثيين”، وجزء لا بأس به من الحراك الجنوبي، وهو التحالف الذي يمكن أن يتطور خلال الأيام القليلة القادمة، وربما يسفر عن تكوين حكومة وطنية، تقود البلاد لفترة انتقالية، حتى يتم وضع أسس للجمهورية الجديدة، حتى تبدأ اليمن وضع أقدامها على البداية الصحيحة نحو إعادة الاستقرار والبناء والتنمية.

نقلا عنموقع الارد ن العربي



حول الموقع

سام برس