بقلم / احمد الشاوش
تتوالى الجنائز ونعوش الشهداء والقتلى والأموات على مدار الساعة ، بعد أن غمضت عيونهم وتوقفت قلوبهم وأدمغتهم ليستقروا في باطنها الرحيم ، وآخرون تنصب لهم مقابر ورموز أشبه بالجندي المجهول تجسيداً للبطولة والوفاء لمن سقطوا في ميادين القتال والشرف وتناثرت أجزاؤهم في كل مكان بعد معارك طاحنة ضد بعضنا البعض وأخرى ضد الآخرين ، لا يدري غالبية من سقطوا فيها ، وتوشحت جثث بعضهم بالأكفان والورود والأعلام حقيقة الهدف ومغازي السياسيين وبشاعة العقائديين في وصف " الجنان" التي وعُد بها البسطاء من المراهقين وشباب في ريعان الزهور ، بعد غسل الأدمغة وتسويق الأحلام والمتاجرة بصكوك " الغفران" ومفاتيح " الجنة " وبنات " الحور و " والفردوس " العظيم ، وسيمفونية قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار وغيرها من " الأوهام " والكلام المعسول الذي سقط ضحيته عدد كبير من أعشار المتعلمين وضحايا البطالة والفقر ، والمأزومين.

ولتنوع المشاريع السياسية القذرة صار لكل حزب وجماعة ومليشيا وحاكم مراكز قوى عابثة وقوالب جاهزة يختزل كل منها مشروع شهيد وفقاً لمصالحه الخاصة وأهدافه المسعورة قابلاً للتفجير بالكلمة والتفخيخ بالديناميت عن بُعد في أي لحظة ، وفي اضعف الحالات الزج به في معارك طاحنة تحمل من الحقد والكراهية والدمار والدماء ما لم تحمله " الجبال " وغضب الطبيعة ، نتيجة لتبني ثقافة الموت وتوافر الحاضنة المحلية والإقليمية والدولية والترويج الإعلامي لهذه الآفة عبر كافة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة وشبكة الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي ، بل تجاوز ذلك إلى المساجد والمدارس والجامعات وغيرها رغم تعارضها مع الدساتير والقوانين والأديان السماوية والفطرة السليمة وطبيعة الحياة القائمة على التعايش والبناء والتعمير لاستمرار الاستقرار بدلاً من تحول الإنسان إلى وحش في عالم الحيوان الإنساني.

ولذلك الكم الهائل تُحدثنا المقابر عن صدمتها من تساقط الشهداء والسيل الجرار من القتلى الذين أصبحوا وقوداً لأفكار مارقة وأدوات لتجار الحروب بالأصالة والوكالة ، وتُحدث المقابر بعضها عن طغيان البشر لبعضهم في اختصار الأعمار وقطف الأزهار والثمار قبل أوانها ، حتى صارت ارحم لزوارها التائهين في بطونها ، وفي خضم هذه المتناقضات والمآسي تجرنا الذاكرة إلى ألف وأربعمائة عام من المعارك الطاحنة والغزوات وساحات القتال والحروب الممزوجة بالحق والباطل ، بالعقل والرعونة ، بالذكاء والغباء دفع خلالها اليمانيون والعرب ضريبة فادحة للحق والباطل والثأر والفيد والتسلط في الجاهلية والإسلام ولنا في داحس والغبراء عبرة .

وبنفس السياق خضنا المعارك والفتوحات الإسلامية شرقاً وغرباً وكان شرفاً كبيراً لأمة الإسلام ، وسقطت ممالك الروم والفرس والأندلس ووصل الآباء والأجداد إلى مشارف فرنسا والصين وروسيا بما فيها آسيا وأفريقيا لرفع راية التوحيد ، التي سالت فيها انهاراً من دماء العرب والمسلمين وغير المسلمين وفي مقدمتهم نحن اليمانيون ، وهدمت العديد من المدن والمباني والحضارات وما صاحب ذلك من تشريد وتشرد ..

غير أن الآدمى والأنكى أن تحولنا الى أدوات أشبه بلعب الأتاري ، ومجرد مخزون بشري وذخيرة في صراع الحكام على السلطة والملك العضوض وتشيعنا للبعض ووقوفنا ضد الآخر لنتحول إلى منجنيق وسيوف بتارة يحركها دهاه العرب وخنازير العجم ، حتى قال بعض ظرفاء العصر الحديث: إن الجنة من نصيب اليمانيين ولا مكان شاغر للآخرين ؟!.

ورغم تلك الخسائر وذلك الدمار والقتلى والأيتام والأرامل ، مازلنا نقدم قوافل الشهداء والقتلى وتعددت المقابر بتعدد المذاهب والمشارب السياسية والعقائدية ومازلنا نتفاخر بسقوط الآلاف في معارك غير معاركنا وقضايا تحمل يافطات الإسلام والمدنية ونحن أبعد ما نكون إلى ذلك ، كون الإسلام منهج حياة يؤمن بالتعايش والتسامح والمحبة والعدالة والمساواة والبناء والرحمة والإحسان وليس مجرد خلطة "حريو" أو خلطة من الشهداء والأفكار الهدامة يروجها تجار الحروب في أي لحظة .

ورغم ذلك فإن منزلة الشهيد ما تزال وستظل ارفع المنازل وأعظمها طالما دافعنا عن الحق والأعراض والأموال وانتصرنا للمظلوم والوطن بمالا يخل بالقيم الفاضلة للإسلام الحنيف وبعيداً عن النفاق والتعصب والارتزاق.
نقلا عن صحيفة الثورة

حول الموقع

سام برس