بقلم/أحمد عبدالله الشاوش
خَلفت الازمات السياسية والصراع على السلطة في اليمن منذ القدم وحتى كتابة هذه السطور ، مزيداً من الالام والجراح والاوجاع ، ولم تكتف مراكز القوى المتسلطة من النخب السياسية والمشايخ والقيادات العسكرية والأمنية وأدواتها من رجال المال والاعمال من الانفراد بالسلطة ، والعبث بالثروة ، واختزال لثورة عبر التاريخ ، بل سارعت الى انتزاع العقول النيرة ، وتآمرت على التعليم ، وذبحت الطموح ، وصادرت الحكمة ، وروضت الأقلام ، وقتلت الابداع ، وجمدت الكفاءات ، وفعلت خدمة الاغبياء والامعات في كافة المرافق والمؤسسات السيادية، وهدمت معالم ومآثر من سبقهم ، واستنسخت أساليب الترهيب والترغيب ، حتى صارت أوجاعنا نتاج لثقافات عقيمة ومشارب متعددة تؤمن بالطغيان .

ولذلك ما أن تشتد المصائب وتلاحقنا المحن والفتن ونقلب في تاريخنا ، اذا بالحاضر أسيراً لثقافة الماضي ونزواته السلبية التي درج عليها السواد الأعظم من حكام العالم العربي والإسلامي باستثناء الصدر الأول للإسلام الذي صُهر الجميع في منظومة قيم المساواة والعدالة والايثار التي أنتجت المؤاخاة بين المهاجرين والانصار ، تجسيداً للحكم الرشيد ، ومن ثم الخلافة الراشدة للخليفة العادل " عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه ، وقبل ذلك وبعده أسس الحكام العرب ثقافة الملك العضوض وورثوا لأبنائهم واخوانهم الكثير من القواعد والعادات والأعراف والفتن والمؤامرات التي ضربت العالم العربي والإسلامي في عقر داره بأيدي وسلاح أبنائه .

ولذلك لا غرابة عندما نسمع ونقرأ ونشاهد ونعايش تاريخاً من التآمر والطغيان والصراعات والحقد والحروب والاغارة والسبي والخطف والقتل في معظم فترات تاريخ اليمن والمنطقة العربية ، قاد الجميع الى الهلاك والدمار والجمود والتخلف لنزوة او نشوة الحكم ، وما داحس والغبراء ، والصراع الاموي العباسي وما أعقبهما الانموذج مصغر لصراع "الاناء"، وما الكوارث والانقلابات والثورات في العصر الحديث في الأنظمة الجمهورية والملكية الا أمتداداً لتلك الاوجاع وحالة الاستبداد الثقافي التي تشرب بها الكثير ممن نعتقدهم يمثلون " القدوة " !!؟؟ وارتوى منها العامة.

تلك السياسة وذلك الإدمان أنتجت التطرف والغلو ، وضيق الأفق ، والمقامرة وأصابة الحياة الفكرية والثقافية والعلمية والنسيج الاجتماعي في العمق ، وغيبت صوت الحكمة والاراء المعتدلة والنظرات الثاقبة ، وعممت الجهل بصورة ممنهجة لانتاج جيل فاقد لحاسة التمييز والاختيار يسهل توجيهه، ما مكنها من الاستمرار في الحكم والتوريث او أستنساخ حاكم أوقوى عن طريق ايقاعات الانقلابات والتغيير الزائف أو تزوير الأصوات في صناديق الانتخابات " الديمقراطية " التي تثير أكثر من علامة تعجب واستهجان في بلد أميته أكثر من سبعين بالمائة ، ودولا أخرى تحكم بالقوى الامنية.

فهل نستغل فرصة عجلة " التغيير " بصدق حكاماً بوخز الضمير وتأسيس وتبني ثقافة جديدة تنشد العلم من أوسع ابوابه ، بدلاً من ثقافة التآمر والتسلط ، للتحرر من فوبيا " الاناء " ، وأتاحة الفرصة للأجيال القادمة في أستعادة ثقتها بالنفس من خلال حرية الاختيار للخلاص من جراحاتنا وأوجاعنا وأرساء دائم الامن و الاستقرار والتفرغ لبناء الوطن اليمني .. أملنا كبير.
نقلا عن صحيفة الثورة
Shawish22@gmail.com

حول الموقع

سام برس