بقلم / احمد الجار الله
تحت ظلال دخان الصراعات المذهبية والطائفية والعرقية الذي يغطي المنطقة، ومع تصاعد نبرة الصوت الدولي المستنكرة جرائم “داعش” تتبادر إلى الذهن رواية الزعيم الراحل المهاتما غاندي:” كلما اتحد الشعب الهندي ضد الاحتلال الإنكليزي، ذبح المُحتلون بقرة ورموها على قارعة الطريق بين المسلمين والهندوس لإشعال الفتنة وإشغالهم بالصراع في ما بينهم لإضعاف المُقاومة وإطالة أمد الاستعمار البريطاني”، والسؤال: أليس ما يمارسه “داعش”، وقبله الجماعات التي على شاكلته هو ذبح للبقرة ورميها بين المكونات الدينية والعرقية العربية؟ والسؤال أيضاً: من هو صاحب السكين ومدرب الجزارين وسبب انتشارهم في مختلف أصقاع العالم العربي؟

ما كان يمارسه الاحتلال البريطاني في الهند لم ينته مع عودة جنوده إلى المملكة المتحدة، فجيفة البقرة المرمية وسط الطريق تسببت في انشطار الهند إلى دولتين على أساس ديني فور إعلان استقلالها، ولاحقاً انقسمت باكستان إلى دولتين عرقيتين (البنغال وباكستان)، ولهذا إذا كانت بريطانيا خرجت من باب الاستقلال فقد أدخلت فيل التقسيم من النافذة الدينية والعرقية.

الأمر ذاته ينطبق على عالمنا العربي الذي دخلته ذات تاريخ القوى العظمى بدعوى تخليصه من الاحتلال العثماني وتركته في ما يشبه حقل ألغام طائفياً ودينياً وعرقياً، قابلة كل دوله الخارجة من تحت عباءتي سايكس وبيكو للانفجار في أي لحظة، وأتت باليهود المنبوذين أوروبيا لتزرعهم في فلسطين.

اليوم وعلى أبواب الذكرى المئة لتقسيم العالم العربي بين البريطانيين والفرنسيين توقظ الدول الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة، جزارين ربتهم في حواضنها ليس ليذبحوا بقرة إنما ليمارسوا أبشع الجرائم ضد الأبرياء من كل الأجناس والألوان.

أوليس يدعونا التبدل السريع بمواقف بعض الدول الغربية إلى الريبة مما يرتب خلف الأبواب المغلقة في ما يتعلق بإعادة تقسيم المنطقة بعد أن انتهت مفاعيل اتفاقية سايكس وبيكو القديمة على أن يكون “داعش” هذه المرة الأداة بعدما كان التخلص من يهود أوروبا في القرن الماضي سبباً في تقسيم العالم العربي؟ أليس “داعش” الذي يذبح السنة والشيعة والمسيحيين والأكراد والأزيديين هو القلم والمسطرة التي يعاد بهما رسم حدود المنطقة؟

ربما لم يكن في حسبان الدول التي أوجدت هذا الوحش أن يصل إليها أو يفلت زمام التحكم به منها، لكنها اليوم وبعد أن بلغت جرائمه أرضها اتضح أنها لم تتعلم من درس الولايات المتحدة الأميركية في أفغانستان والحادي عشر من سبتمبر العام 2001.

ما يجعلنا نرتاب أكثر في كل ما تعلنه هذه الدول حالياً بشأن القضاء على “داعش” هو عدم الجدية في المسعى الذي بدأ منذ أكثر من عام، فلا آلاف الغارات الجوية حدت من قوة التنظيم، ولا اتفقت هذه الدول على موقف عملي موحد، ففيما الولايات المتحدة تخوض الحرب على الإرهاب بالشعارات الانتخابية نرى بريطانيا تعمل بأسلوبها القديم، وكذلك الحال مع فرنسا وروسيا التي يبدو أن كل واحدة منها تبحث عن منطقة نفوذ جديدة لها من خلال تقسيم المقسم، إلا أن ذلك لن يجر عليها الا الخراب والويلات، كما أن مغازلتها نظام الملالي يعني خضوعها لابتزازه، وهذا كله لن يجعل حتى شعوب تلك الدول تثق بحكوماتها التي تتركها فريسة لكل أنواع الإرهابيين من أجل تحقيق مصالح موقتة.

بات على هذه الدول إدراك أن العالم لم يعد يستطيع دفع أثمان مغامراتها السياسية وعليها إصلاح ما خربته وذلك لا يكون إلا بحرب، برية وجوية وبحرية ليس لاجتثاث “داعش” و”حزب الله”و”القاعدة” و”الإخوان” والجماعات الإرهابية الاخرى إنما أيضاً لاجتثاث نظام الملالي الإيراني الذي كان ولا يزال أساس كل الإرهاب، وبغير ذلك سيبقى هناك من يذبح البقرة ويرميها على قارعة الطريق ليشعل الفتن كلما دعت حاجته إلى ذلك.
نقلا عن السياسة الكويتية

حول الموقع

سام برس