بقلم / عبدالكريم المدي
ماعليش.. يا أبناء العربية السعيدة.. امتصّوا الصدمة الجديدة، وحاولوا أن تتأقلموا قدر الإمكان مع واقع جديد، ربما إن خريفه سيطول ويتطور للأسوأ، وذلك حسب المزاج والبرنامج الذي أعدته لكم ( الشقيقات الكبرى )، القريبة والبعيدة التي تُريد كُلّ واحدة منها تطهيركم من آثام الأخرى وبِدعها.

ماعليش.. قاوموا عذاباتكم وحروبكم (بالوكالة ) بنفس طويل وصدور واسعة لا تقلّ عن (7) ملايين كيلو متر مربع ، هي مجموع مساحات الدول التي يقتلكم حبّها وتذبحكم مذاهبها وفتاويها ، وكونوا – اعانكم الله – عقلانيين أكثر مما أنتم عليه اليوم، وأول خطوة تُثبتونها في هذا الجانب وتبدأ من إنتهاء وهم (جنيف2) وصاعداً ،هي أنكم تُخففون من سقف توقعاتكم الإيجابية لتصريحات وخدائع الرياض ولندن وواشنطن وطهران التي أكدت لكم الأيام إنها كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، وثقوا إن الإقليم والعالم يخونكم ويخدعكم في كُلّ شيء ، ليس فقط في المسميات كتسمية مارثون الحوار الأخير في سويسرا بـ ( جنيف2) بينما جرت جلساته في قرية نائية في الشمال السويسري اسمها (بين).

ولا تنسوا وأنتم تقودون أحلامكم الوردية القادمة في شوارع (جنيف15) و(أديس بابا 1) و(مسقط 30) التي يُبلّطها لكم في الجو وعلى إرتفاع (25) ألف قدم السيد إسماعيل ولد الشيخ وسفراء الدول الخمس الراعية لمصالحها ،أن تتجنُّبوا (الحُفر) الهوائية والمطبّات الجوية لتلك الشوارع المخصصة لكم، كي لا تعطلوا مركباتكم وتتوقفوا تماماً عن مواصلة السيرفي دروب الحياة مثلما سبق وأن توقفت الحياة في أسلاك الضغط العالي التي كانت تمدكم بسبع ساعات كهرباء كل يوم ، ومثلما توقفت وصمتت – أيضا – أصوات تدفقات المياه الفصلية في أوردة شبكات مشاريع المياه الحكومية منذُ عام تقريبا..

عيشوا يا أحفاد يعرب بن قحطان وسيف بن ذي يزن وأقيال سبأ ومكاربة حمير ومعين وحضرموت ، ولا تعتمدوا كثيراً على المتحدثين باسم البيت الأبيض والخارجية الأميركية ، ولا تسهروا من الآن وصاعداً وحتى ساعات الفجر الأولى كي تسمعوا الخطاب السنوي لأوباما ، ولا حتى لأول خطاب للمرشح الجمهوري (ترامب ) ، إن حالفه الحظ بالفوز في الانتخابات القادمة، وقام فعلاً، بتطبيق برنامجه ومبادئه المعلنة في منع العرب والمسلمين من دخول أميركا ، وحل مشاكلهم في ديارهم .
يا بني يمني تقبّلوا الحقيقة التي تقول إن مفاوضات (جنيف2) قد ولدت ميتة وشبعت موتاً من قبل أن تبدأ.

( جنيف2) فشلت فشلاً ذريعاً، بالطول وبالعرض ،ولم تُسفر عن أي اختراق لجبال المتصارعين الجليدية ، وأدوات مندوبي الحرب الداخلية والخارجية التي تُشنُّ على شعبكم الصابر المحتسب .

تقبلوا كل ما يجري من عبث وكل ما يتم التلاعب به من عبارات وألفاظ ، واقتنعوا بإن الذي يحدث هو الأمر الطبيعي جداً ،طالما وأن السعودية وإيران خارج قاعات جنيف ومسقط وغيرها ، وطالما وإن أميركا تُريد لإوضاعكم أن تسير بهذه الطريقة تسلحوا بالصبر وتحصنوا بالقناعة والإيمان.

وتاكدوا مرة عاشرة بعد الألف إنه وفي حال ظلّ المتصارعون الحقيقيون ومن بيدهم مفاتيح الانفراج لمآسيكم بعيدين عن طاولات عارف الزوكا وأحمد بن دغر وعبدالملك المخلافي ومحمدعبدالسلام وفائقة السيد ويحيى دويد وعبدالعزيز جُباري ، وإسماعيل ولد الشيخ ،فإن أصوات الإنفجارات ستستمرّ وستستمر معها تبرّعات أهل الخير في تحمُّل تكاليف توسعة المقابر التي ستضمُّ إليها بيوت المهجّرين والشهداء ومدارس البنات كمرحلة أولى يتبعها كمرحلة ثانية، مدارس البنين والجامعات والحدائق والمستشفيات التي خرجت بنسبة (50%) عن الخدمة ، كالمستشفى الجمهوري ومستشفى الكويت ، أو تلك التي خرجت عن الخدمة بصورة كاملة كمستشفى السبعين للإمومة والطفولة الذي يتواجد في قلب العاصمة صنعاء وعلى مقربة من أكبر ميدان عروض في البلد كانت تُعرضُ فيه تشكيلات رمزية من وحدات جيشكم الباسل وأمنكم الساهر على حماية الثورة والوحدة والسيادة الوطنية.

وكون الخطاب – كما يُقال – يُقرء من عنوانه ، أنصحكم – يا بني يمني – أن تحطوا في بطونكم بطيخات، كلٌّ بالحجم الذي يستطيع هضمه ، وينام قرير العين أو شارد الذهن ، المهم هو أن يكفّ عن مضاعفة تعذيب نفسه، من خلال توقعات وتخمينات مرثونات المفاوضات القادمة التي لن تكون أفضل من سابقاتها ،إلا إذا كانت تخصُّ قريبا لهادي أو حبيبا للرياض ، ممن يتم الاتفاق على الإفراج عنهم من معتقلات الحوثيين، أو العكس ،فأخبار أي مفاوضات قادمة ستكون عند هذه الحدود ،فقط ، وما دون ذلك لن يكون هناك أكثر من عملية حرق لأعصاب البسطاء التّواقين للسلام، وإلتقاط صور لمن ارادو أكبر غِلّة من الإعجابات في صفحات الفيس ، إلى جانب ذرّ قليلٍ من رماد المدافىء السويسرية والبخور العماني على المحاصرين من اليمنيين هنا وهناك، ومعهم دموع أهالي الشهداء والجرحى ، ومن يستعدون – أيضا – لنيل هذا الشرف الرفيع بغاية منهم ،أوبدون غاية ،وسواء كانوا مقبلين عليها،أم مدبرين.

وكي لا أكون داعية للتشاؤم ، أضيف وأقول في الختام، يبقى الأمل عزاؤنا جميعاً وتذكار عبورنا لغد أجمل ، ولنتذكر إن من يعيش بغير أمل، إنما يحكم على نفسه بالموت حياً، قبل أن يموت بقنابل وصواريخ السعودية ووكلاء الشرق والغرب، السُّنة والشيعة، الخليج العربي والخليج الفارسي ، الرأسمالية والشيوعية ..!
كاتب يمني
نقلا عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس