بقلم/ علي البخيتي
هل تتوقعون أن من في الغربة مرتاح، أحدثكم عن نفسي على الأقل، لا والله، لست ولا أسرتي وأولادي مرتاحين، كنت في لبنان في الأشهر الأولى للحرب، وعدت عندما توفرت لي فرصة لذلك، وتعرضت منطقتنا لغارات متواصلة لأشهر، وتكسر زجاج منزلنا عدة مرات، قبل أن استبدله ببلاستيك شفاف، وقصف بيت جارنا، ولم يدفعني ذلك للسفر مع كل المخاطر، ووجود إمكانية لدي للسفر، وسافرت الى بيروت مجدداً –ولا أزال متواجد فيها- عندما اضطرتني الظروف كذلك، لكنها ظروف لا علاقة لها بعدوان البعيد، بل بعدوان القريب.

أتواصل مع الكثير من الذين في الغربية، المتواجدين في مختلف مدن العالم، ومن في الرياض كذلك، لا أحد مرتاح، الكل يريد العودة، ولكلٍ مانعه الخاص.
اليمن جوهرة، لكنها بيد فحام، بيد نخبة سياسية وضيعة وغبية، على الأقل من بيدهم صنع القرار حالياً، في الخارج والداخل، لا يزالون يتترسون وراء مواقف وأهداف غبية ومستحيلة ووهمية لن يحققوها، فقط سيستمر شلال الدم والدمار وفي الأخير سيقبلون ببعضهم غصباً عنه، وسيأتي وقت #‏صناعة_السلام_في_اليمن، لكن بعد ماذا؟.

***
سألت أحد أصدقائي من الذين يعيشون في عاصمة أوربية مهمة عن الطقس عندهم، أحببت أن آخذ فكرة عن بعض العواصم الغربية، فقد أضطر يوماً للسفر الى احداها، وبدأت التفكير جدياً في ذلك، فالعيش في أي عاصمة عربية محفوف بالكثير من المخاطر، والمستقبل فيها يبقى مجهول ومرهون بالكثير من العوامل، لا مجال لتفصيلها هنا، وأبسط مثل على ذلك أنه قد يأت يوم لتقول لك السلطات: ارحل أنت واسرتك فأنتم غير مرحب بكم هنا، حتى لو عشت فيها لعقود طويلة، ومن في الغربة يعون ما أقوله جيداً، وقد جربوه في تسعينات القرن الماضي بعد أزمة الاحتلال العراقي للكويت، والموقف الغبي لسلطتنا وقتها، والذي دفع ثمنه المغتربين مع أنه لا ذنب لهم مطلقاً، وهنا يكمن الفرق بين الدول الغربية والعربية.

بدأت التفكير جدياً في السفر الى أوربا وبالأخص بعد اعلان أن المعركة ستستمر الى يوم القيامة، وإعلان طرف آخر أن المعركة لم تبدأ بعد، واستمرار من في الرياض في القول أن حربهم هي مع يد ايران في اليمن، فيما العلاقات الخليجية الإيرانية جيدة ومستقرة، بل وتحسنت خلال العدوان على اليمن، بينما شرعيتنا المزعومة لا تزال تزعم أنها تحارب الإيرانيين في صنعاء، بينما الإيرانيين متواجدين سياسياً واقتصادياً في عواصم دول الخليج أكثر من تواجدهم في صنعاء.

قال لي صديقي إنهم لا يرون الشمس خلال تسعة أشهر، احياناً تظهر لدقائق قليلة وسرعان ما تختفي، عندها سألت نفسي: كيف يمكنني العيش بدون أشعة الشمس وشروق الصبح لتسعة أشهر، حتماً سأصاب بالاكتئاب، أنا متعود على اليمن، على ذمار، وصنعاء، وعشت في تعز لسنوات، وزرت الكثير من المدن اليمنية، الشمس لا تفارقنا يوماً، ليس بضوئها فقط، انما بأشعتها كذلك.

يا الاهي، كم كنا أغبياء في تقديرنا لما وهبنا الله، ننظر الى خضرة أوربا ونحسدهم، ولا ندري أن الخضرة بمقابل حرمانهم من الشمس، وإذا ما قارنا بين ما وهبنا الله وما وهبهم حتماً المقارنة لصالحنا، الا إذا تحدثنا عن العقول، ستكون المقارنة في صالحهم.

***
لا أحد يدرك أهمية الشمس، وجمالها، ولذة أشعتها، كمثل بسيط للمقارنة، الا من اغترب، وعاش في نهار بلا شمس لأشهر، ورأى حتى الضوء يختفي في بعض الأماكن منتصف النهار، واحياناً لا يستمر الضوء –وليس أشعة الشمس- الا لثلاث ساعات أو اربع، وهناك دول أقل، وباقي الوقت ليل حالك.

بلادنا جنة، بشمسها وجبالها ووديانها وصحاريها، لكننا فشلنا في ادارتها، واستغلال ثرواتها الطبيعية، التي أجزم أنها أفضل وأهم من ما هو موجود في الكثير من البلدان الأوربية، ولو قامت الحضارات بالخضرة والأمطار لكانت الكثير من دول أفريقيا أفضل حالاً من أوربا، ولما كان الشرق الأوسط يحتضن أهم حضارات التاريخ القديم، انها العقول يا سادة، التفكير، الاستغلال الأمثل، التدافع المنظم على السلطة والثروة.
***
الشمس والشمس فقط ترجح كفة اليمن لدي، وترجح كفة صنعاء على أي عاصمة أوربية مهما كانت خضرتها أو ناطحات السحاب تخترق سمائها، أما إذا ما تحدثت عن جمال صنعاء، وحميميتها وبساطة الحياة فيها فإنني سأحولها الى جنة اذا ما قارنتها بأهم العواصم الغربية، وسيكون هذا موضوع مقالي القادم.

متى يمكننا العودة والاستمتاع بشمس اليمن، بإشراقة النهار في صنعاء، بأمن وسلام؟.
من صفحة الكاتب بالفيسبوك

حول الموقع

سام برس