بقلم / عبدالكريم المدي
المجتمعات في السعودية والخليج لم يجرّبوا أو يتذوقوا يوماً طعم الحروب الحقيقية المباشرة كما يجري الآن في الحالة السعودية مع اليمن ، رغم إن الأخيرة قد عملت احتياطات وخيارات متعددة ،معتقدة النأي بنفسها قدر الإمكان من جهة ، وحسمها في ظرف قصير من جهة ثانية، ومن الاحتياطات والخيارات التي أتخذتها إشعال جبهات صراع في معظم مناطق الداخل اليمني وحشدت لها مجندين ومؤدلجين يمنيين ووحدات عسكرية نظامية سعودية وخليجية وسودانية وغيرها، إلى جانب الاستعانة بخبراء وشركات عالمية متخصصة في الحروب كـ (بلاك ووتر ) وغيرها. ومع هذا لم تكسب الحرب ، أو حتى تؤمن خاصرتها الجنوبية الملتهبة ، مهما حاولت التعتيم على المشهد فيها، إلا أنها تُفضحُ بأبسط إجراء ، من قبيل وقف الدراسة في معظم تلك المناطق وفي فترات عديدة، وكذا وقف حركة الطيران في مطاراتها، ودعواتها المتواصلة للمواطنين في جيزان ونجران وعسير إلى البقاء في أدوار مساكنهم السفلية وفي البدرومات و من كان لديه قبو في منزله فعليه البقاء فيه، وهذا يعني حاجة واحدة فقط ، وهي إن الحرب هناك مكتملة الأركان وتعدت توقعاتها وحساباتها بكثير، وليس ذلك فحسب بل إن الجيش اليمني ومسلحي لجان الحوثي سيطروا ويسيطرون بصورة مستمرة على عشرات القرى والمدن السعودية الصغيرة كمدينتي ( الخوبة – الربوعة ) ، ناهيك عما تُسببه لها الصواريخ البالستية والتوشكا، التي تُطلقُ صوب جيزان ونجران وعسير، من وجع رأس وخسائر مدفونة في قبو الدولة السعودية السري إلى أجل غير مسمى.

من يقول إن هذه هي أول حرب مباشرة تخوضها السعودية منذُ ثلاثينيات القرن المنصرم على اعتبار إن آخر حروبها كانت مع المملكة المتوكلية اليمنية في العام (1938) فهو مُحق ، ومن يقول إن هذه الحرب – أيضا – بمثابة اختبار حقيقي وعملي لقدرات الجيش السعودي خاصة والخليجي عامة، فإنه مُحق ،ومُحقّ أكثر من يعتبر المجازفة السعودية ضرب من الجنون والعباطة ، كما كانت هناك قرارت عديدة لأنصار الله في اليمن على ذات القدر من المجازفة والتهور .

المهم وبالنظرا إلى معطيات الميدان، وبدلاً من أن يقول الناس إن ( صالح – الحوثي ) قد صمدوا صمودا اسطوريا في وجه المملكة وتحالفها ، صارت اليوم نسبة كبيرة منهم وتحديدا في السعودية والخليج تتساءل : كيف أمكن للسعودية وحلفائها من الصمود في وجه (عفّاش – الحوثي ) لمدة عشرة أشهرمتواصلة؟، وكيف يمكن لها تدارك الانحدار السريع في جبهاتها وتحصيناتها وفي مقدمتها الجبهة الاقتصادية والاجتماعية ؟

حينما كانت السعودية في الماضي تُدير حروبها عن بعد وبواسطة وكلاء محليين ودوليين تُقدم لهم الدعم المادي والسياسي والمعنوي والإعلامي والمظلة الدينية من فتوى وخُطب ومحاضرات وووالخ ، كانت خسائرها وعلى كافة المستويات أقل بكثير مما يجري اليوم ،وفي مقدمتها مُقدّارتها وسمعتها ومقدرتها في التحكم بالخلافات داخل الأسرة الحاكمة وجعلها دوما تحت الطاولة وفي الحدود الآمنة ، عكس ما يُعلن عنه ونسمعه أونستنتجه حاليا، والذي يؤكد بالفعل أن المعادلة قد تغيرت والبوصلة ضاعت .

ولعل المؤشرات الأولى والخطرة في هذا السياق هي الخلافات بين بعض أطراف الحكم والعجز الكبير وغير المسبوق في ميزانية الدولة للعام (2016) والتي تقترب من الـ (100) مليار دولار ، ومن أبرز تداعياتها المأساوية الإعلان عن رفع سعر الوقود ، التي جعلت المواطنين ينتضمون في طوابير طويلة أمام المحطات، في مشاهد تُذكرنا بمثيلاتها في شوارع صنعاء والحديدة وتعز وحجة وذمار وإب والضالع والمحويت وريمة. اضف إلى ذلك ما رافق هذه الإجراءات من تذمر لدى الشارع السعودي يرتفع منسوبه أكثر فأكثر مع مرور الأيام ،ومن اراد أن يقف على حقيقة المزاج العام ما عليه إلا أن يتصفح شبكات التواصل الاجتماعي تويتر ، فيسبوك وغيرها وسيجد فيها درجة حرارة مرتفعة ونفوس مكبودة ، مضغوطة وكأنها تعيش على سطح الكوكب المعذب ( الزهرة ) الذي يحبس الحرارة التي تأتيه من الشمس ولا يسمح لها غلافه الجوي بالخروج .

السعوديون ادركوا اليوم وطعموا معنى أن تخوض دولة مثل دولتهم المتخمة بالنعمة والرفاهية حرباً مع شعب كالشعب اليمني متعود على الألم ومتأقلم مع كل الظروف القاسية ،واقتصاده أساسا في أيام السلم وفي أحسن الأحوال لا يعادل اقتصاد مدينة سعودية كجدة مثلا أو أبهاء ، وربما إن عقد مقارنة بين شعب كالشعب اليمني وبعض الشعوب الغارقة في النعمة والثراء، فيه شيء من الظلم، لأن هذه الأخيرة قد استطاعت بعض حكوماتها أن تُكبلها وتجعلها ،أضعف من أن تتحمل يوماً أو أسبوعا واحدا بدون كهرباء ، أوأن يُجبر مواطنوها على سداد القروض من البنوك بشكل دوري ومنتظم بدلا من الإعفاءات المستمرة لهم ، فما بالك إذاما تم الحد منها أو تعقيد الحصول عليها بشروط أخرى ..

نخلص إلى القول بإن الحرب على اليمن وتدني أسعار النفط عالميا كلّف خزينة الرياض مبالغ ضخمة جدا ،الأمر الذي دفع بها لمشاركة مواطنيها في تسديد جزء من الفاتورة وتغطية العجزالمالي من خلال سلسلة من الإجراءات كفرض الضرائب ورفع رسوم الخدمات وأسعار الوقود ووقف الترقيات والتعينات في الوظائف وغيرها ، وكان هناك في الواقع طريقة أسهل وأكثرنجاعة من هذه الإجراءات ،طريقة تُمكنها من وضع حد للتدهورالحاصل في ميزانيتها ،وفي نفس الوقت حماية مواطنيها بدلا من التأثير على حياتهم المعيشية بدون سبب منطقي ومقنع ،ومن ذلك ترشيد النفقات الهائلة لحكومة هادي وحلفائها اليمنيين والعرب والغربيين ، اضف إلى ذلك تحويل نزر يسير من أموال لأمراء السعوديين المودعة في بنوك الغرب للخزينة السعودية والكف تماما ، أو على الأقل في حالات معينة وقليلة ، عن سياسة شراء الولاءات في اليمن وسوريا والمنطقة والعالم ، إلى جانب وقف الانفاق غير العلمي والمدروس على التسليح الذي معظمه يأتي من أجل كسب صمت الغرب على انتهاكاتها وسياساتها العرجاء في اليمن وغيرها.
* رأي اليوم

حول الموقع

سام برس