سام برس
ضحايا تفجير المسجد الشيعي في حي محاسن في الاحساء اصبحوا “شهداء” في بيان الداخلية السعودية.. وسائل التواصل الاجتماعي خلت كليا من تغريدات الفتنة والتحريض الطائفي.. ولكنها “هدنة” مؤقتة.. وهذه هي بعض حلولنا لمواجهة هذه الظاهرة الدموية المتصاعدة

رأي اليوم:

في كل مرة يستهدف انتحاريون متشددون احد مساجد الشيعة في المملكة العربية السعودية، يختفي المحرضون الطائفيون تقريبا من وسائط التواصل الاجتماعي، وتسود التغريدات والدعوات الى التضامن والتعايش، والتأكيد على الاخوة والمواطنة الموحدة، وقيم التآخي بين ابناء البلد الواحد في السراء والضراء، والصلوات المشتركة.
اليوم، وبعد انقطاع لاكثر من شهرين، شهدت المنطقة الشرقية (الاحساء) في المملكة العربية السعودية هجوما انتحاريا نفذه ثلاثة من المتشددين على مسجد الامام الرضا في ضاحية محاسن، حيث فجر احدهم حزامه الناسف في مدخل المسجد، وقام آخر باطلاق النار على المصلين، مما ادى الى مقتل اربعة اشخاص واصابة 8 آخرين.

اختفت “التغريدات” التي تحرض ضد الشيعة وتتهمهم بالمجوس والروافض، حتى ان المتحدث باسم وزارة الداخلية وصف القتلى بـ”الشهداء”، على غير العادة، وهو تطور سياسي واعلامي ايجابي لافت للنظر، ولكن السلطات السعودية التي تحكم بالسجن لاكثر من عشرة اعوام على كل من يغرد مطالبا بالاصلاح السياسي وآلاف الجلدات، وغرامات مالية باهظة مثلما هو حال المغرد رائف بدوي، لم تصدر اي قانون يعاقب المحرضين الطائفيين، وناشري ثقافة الكراهية، سواء كانوا من السنة او الشيعة.

القوى الامنية السعودية كانت تتوقع هجوما من المتشددين الشيعة انتقاما لاعدام الشيخ نمر باقر النمر قبل بضعة اسابيع، ولكن الهجوم جاء سريعا من قبل المتشددين السنة هذه المرة، وضد مسجد شيعي ربما انتقاما من السلطات التي اعدمت 43 متشددا ينتمون الى تنظيم “القاعدة”، ادينوا بالمشاركة في هجمات ضد اهداف داخل المملكة، تشمل عربات لرجال الامن، واحياء سكنية، يقطنها اجانب في الرياض عام 2004، واغتيال اعداد منهم داخلها وخارجها.

تنظيم “الدولة الاسلامية” لم يعلن مسؤوليته عن تنفيذ هذا الهجوم، مثلما فعل في هجمات سابقة استهدفت مساجد شيعية في الدمام والقطيف والكويت، ولكن اصابع الاتهام تشير باتجاهه لان طريقة تنفيذ تفجير مسجد الامام الرضا تتطابق تقريبا مع الهجمات المذكورة.

الحكومة السعودية تعارض هذه الهجمات وتدينها لانها تزعزع الامن الداخلي الذي يحظى الحفاظ عليه اولويه قصوى بالنسبة الى اجهزتها وقيادتها الامنية، ولكن خوضها لحرب في اليمن ضد الحوثيين الشيعة “عملاء” ايران، ومساندتها لفصائل سنية مسلحة لاسقاط النظام السوري، ربما تعكس تناقضا من الصعب تبريره او شرحه، ويصب في مصلحة التحريض الطائفي بشقيه.
التحدي الذي تواجهه هذه الحكومة خطير بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، ونجاح المهاجمين الارهابيين في الوصول الى باب المسجد رغم الاجراءات الامنية المشددة حوله، يؤكد حدوث اختراق او قصور امني، او الاثنين معا، نتيجة نقص الكفاءة في صفوف قوات الامن، وعدم استيعاب قياداتها العليا لدروس التفجيرات السابقة لتجنب مثيلاتها في الحاضر والمستقبل.

اعدام 47 متهما مدانا معظمهم من المتشددين السنة، وعلى رأسهم فارس بن شويل (ابو جندل) احد ابرز قيادات تنظيم “القاعدة” ومفكريها، ربما يؤدي الى هجمات انتقامية اوسع، واعلان السيد عادل الجبير وزير الخارجية السعودي بأن بلاده تدرس ارسال قوات خاصة لمحاربة تنظيم “الدولة الاسلامية” في سورية والعراق، وربما ليبيا ايضا قد يسرع بها، وينقل المعركة بصورة اكثر شراسة الى العمق السعودي بطريقة او باخرى، خاصة ان بيانات وزارة الداخلية السعودية اكدت من خلالها لتفكيك شبكات ارهابية عدة، ان هناك حاضنة قوية للجماعات الاسلامية المتشددة، و”الدولة الاسلامية” على وجه الخصوص، داخل المملكة وفي اوساط الشباب خصوصا.

استهداف المساجد، وزعزعة استقرار وامن المواطنين وتعريض ارواحهم للخطر امر مدان بأشد العبارات، ولكن المشكلة لا تحل بالبيانات والادانات ودعوات التعايش، وانما بتغيير السياسات التي تمهد الطريق للتحريض الطائفي، ونشر الكراهية، وضرب كل قيم الوحدة الوطنية.

وسائط التواصل الاجتماعي تعيش حالة من الهدنة حاليا، ولكن بعد يومين او ثلاث، وقبل ان تجف دماء “الشهداء” ستعود المياه الطائفية الى مجاريها، ومعها “نجوم” التحريض ضد الآخر وتكفيره، وتخوينه، والتشكيك في عقيدته تحت سمع الدولة وبصر اجهزتها الامنية، وربما بايحاء منها، وقادة جيوشها الالكترونية.

حول الموقع

سام برس