بقلم / نُهي البدوي
لا يختلف هدف الهجوم الانتحاري بسيارة مفخخة الذي استهدف بوابة القصر الجمهوري بعدن يوم الخميس 28 يناير 2016م، و قتل سبعة أشخاص على الأقل، وأصاب 11 آخرين خارج القصر الذي يقطنه رئيس البلاد، عبد ربه منصور هادي، وكان يستهدف قافلة كانت تمر خلال نقطة تفتيش عند مداخل القصر بحسب ما جاء من مصدر أمني وفق ما نشر في بي بي سي، وأعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" مسؤوليته عن تنفيذ الهجوم وقال: "إن مقاتلا يدعى أبو حنيفة الهولاندي هو الذي نفذ الهجوم" ونشر التنظيم صورا تظهر الانتحاري والتفجير. مع أهداف الاغتيالات الفردية بالدراجات النارية أو غيرها التي بتزايدها في المحافظات المحررة ازدادت مخاوف السكان؛ ويبرز تساؤلهم المعتاد عند ارتكاب كل جريمة اغتيال : من المستفيد من الاغتيالات في عدن والمحافظات المحررة؟! ويتكرر معه طرح الاحتمالات القريبة من الحقيقة ، بإنها تواصلاً للحرب بطريقة أكثر بشاعة ودموية لتصفية مسؤولين وكوادر وشخصيات أمنية وقضائية في صورة تعزز مخاوفهم. واضح من ملابسات تنفيذ جريمة الاغتيال أنه يرتبط بوضع وظروف الشخصية المستهدفة، لتحديد الوسيلة المستخدمة لارتكابها، ويلاحظ أن بعضها يتم في صورة الاغتيال المباشر باستخدام الدراجات النارية أو التفخيخ وغيرها، لكنها تكاد تجتمع في شكل واحد يمكن وصفه بالاغتيال (السياسي) الذي قد يخدم عدة جهات؛ وهذا هو الخطر الذي يثير مخاوف الداخل والخارج ، بعد أن بات واضحاً تقاطع أهداف الجماعات الإرهابية بالمصالح السياسية للأطراف المتصارعة وبالذات الانقلابيين وإغتيالهم للوطن، فإن السكان في تلك المناطق يشعرون وكأنهم أمام حرب دموية جديدة، تغتال من لم يقتل في الحرب! لإعاقة جهود تثبيت الاستقرار في مناطقهم وإفشال أي مساعي وجهود للأمم المتحدة لإنهاء الصراع ووقف الحرب في اليمن.

ما يرجح ارتباط أهدافها بالصراع القائم بين القديم والجديد لمواصلة الحرب، هو تزايد ارتكابها بصورة ملفته في عدن في الثلاثة الأشهر الأخيرة بعد إنتهاء الحرب فيها ؛ باساليب مختلفة تحمل مؤشرات خطيرة لاحتمال استخدام الجماعات المتطرفة كجهات منفذه لهذه العمليات الإرهابية ذات الطابع السياسي ، وهذا يزيد من مخاوف تحول الجماعات المتطرفة إلى أجنحة مسلحة للتيارات السياسية المتصارعة في اليمن ، كأحد نتائج انهيار المنظومة السياسية فيه ، لتتحالف نفاياتها الضارة بعد أن فقدت مصالحها في المناطق الجنوبية مع هذه الجماعات الإرهابية لاغتيال وطن بأكمله، ولا يستبعد أن من يقوم بتنفيذها تنظيمي "القاعدة وداعش" تحت مسميات حديثة لمنظمات إرهابية مثل (كتائب جيش عدن الإسلامي ) في إطار محاولة إخراج التنظيمين من دائرة الشكوك للحفاظ على مؤيديهما في المناطق التي ترتكب فيها الاغتيالات كما فعل، سابقا، بإعلان اسم (أنصار الشريعة).

منذُ مطلع يناير العام الجاري طالت الاغتيالات ضباطا في الجيش الوطني وأجهزة الأمن والمخابرات وبعض القضاة، ورجال الأعمال بالإضافة إلى أن الشهر الحالي (يناير) شهد أكبر ثلاث محاولات اغتيال بتفجير سيارات مفخخة ، الأولى هدفت إلى اغتيال محافظ عدن اللواء عيدروس الزبيدي والعميد شلال شايع مدير الأمن، ومحافظ محافظة لحج، الدكتور ناصر الخبجي، وقد فشلت تلك العملية بعد إطلاق حراسة المحافظ النار على المهاجم الانتحاري وخروجه بسيارته بعيدا عن الموكب ، والثانية محاولة اغتيال العميد شلال علي شائع بتفجير سيارة مفخخة في محيط منزله بعدن وقتل في الانفجار نحو 10 يمنيين، والثالثة التفجير الانتحاري في بوابة قصر الرئاسة يوم الخميس 28 يناير. وكان قبلها جريمة اغتيال محافظ عدن السابق اللواء جعفر محمد سعد باستهداف سيارته بسيارة مفخخة أثناء توجهه للعمل في 6 ديسمبر الماضي 2015م ، وتبنى تنظيم الدولة الإسلامية داعش عملية الاغتيال، كل هذه وقائع ومؤشرات تؤكد على وحدة الهدف الذي يجمع هذه الجرائم بين تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" والانقلابيين، هو منع جهود استعادة الدولة وفرض هيبتها وإعادة العمل في المؤسسات لا سيما وظهورها كان في 6 أكتوبر العام الماضي بعد عودة الحكومة الشرعية إلى عدن.

تناقلت بعض وسائل الإعلام مؤخراً فتوى نسبت للعلامة محمد المطاع من جماعة (أنصار الله) كفّر فيها اليمنيين الرافضين للإنقلاب الحوثي، و دعاء باستباحة دمائهم، وظهور الفتوى في هذا التوقيت مع تزايد ارتكاب هذه الجرائم في المناطق التي تم استعادتها من قبضة الحوثي يؤكد أنها جاءت لاستكمال الغطاء الديني والشرعي لمواصلة الحرب فيها على شكل آخر "الاغتيالات"، لإظهار أن عدن والمناطق المحررة غير آمنة ، وأنها لا تزال تحت سيطرة الانقلابيين؛ كما أن هذه الحرب - من طرف واحد وبشكلها الجديد "الاغتيالات" - التي تستخدم فيها تقنيات عالية للتنفيذ، تضع المجتمع اليمني أمام خطر جديد توحدت فيه المصالح والأهداف لجماعة الحوثي والرئيس السابق صالح مع تنظيم الدولة داعش الذي أعلن مسؤوليته وتبنيه عدد منها؛ بالإضافة إلى توجيه شخصيات رسمية وشبة رسمية من الحكومة اليمنية الشرعية ومسؤولين خليجيي الإتهام للحوثي وللرئيس اليمني السابق علي صالح بوقوفهما خلف تنفيذها بمساندة الدول الداعمه لهما "إيران" ، ومنها تصريح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في المؤتمر الصحفي الذي عقده في 23 يناير الجاري مع نظيره وزير الخارجية الأمريكى "جون كيرى عندما أشار فيه الجبير إلى "أن طهران لا زالت تدعم الإرهاب"، إلى جانب خطوة قيام إدارة يوتوب بحجب قناة المسيرة لتحريضها على الإرهاب والعنف.

إن الوضع في المناطق المحررة، لا يقل خطورة عن أيام الحرب والمواجهة المسلحة بين الأطراف المتحاربة في اليمن، وما يزيدة خطورته تزايد المخاوف من علاقة الجهات المنفذة للاغتيالات ( التنظيمات الإرهابية ) القديمة والمستنسخة حديثاً بطرفي الصراع خاصة (الانقلابيين)، يضعنا أمام طور وقالب جديد للحرب، تغيرت فيه أدوات وأساليب حرب المواجهة المسلحة بأدوات إرهابية أكثر بشاعة ودموية، لتُظهر لنا الصورة الخفية (المشوهة) للانقلابيين، ومدى إرتباطهما بالجماعات الإرهابية "القاعدة وداعش" ، ومنظماتها المستنسخة مؤخراً التي تتبنى التفجيرات الانتحارية واستهداف الحكومة الشرعية بعد عودتها إلى عدن، والاغتيالات التي تطال رموزها، والكوادر الأمنية والقضائية ، وتارة أخرى نجد (تنظيم القاعدة) يتبنى بعض الاغتيالات التي ترتكب في صنعاء وذمار وتعز والبيضاء، لإضعاف نظرية وقوف الانقلابيين خلف ما يحصل في عدن، لتتبيّن بذلك الصورة الدموية التي تجمع عدد من أطراف النظام السابق والمنظمات الإرهابية في أطار واحد يجمعها الهدف والتنفيذ لاغتيال الوطن.

n.albadwi2013@hotmail.com

حول الموقع

سام برس