بقلم / محمد قائد العزيزي
أشعلت فتيلها فأكتوت بجحيم نيرانها..

يخوض النظام السعودي منذ عام وأكثر؛ حربا نفطية شرسة مع الدب الروسي وإيران.. ولم يعلن إلى الآن من المنتصر في هذه الحرب التي وصفها عديد من المراقبين والمحللين بحرب طحن العظام بين كبار منتجي النفط كالسعودية والولايات المتحدة ووكلائها وأتباعها، وبين روسيا ودول البركس عموماً.

هذه الحرب النفطية غير المعلنة التي تدور؛ اشتدت ضراوة بعد فشل سنوات “الربيع العربي” في إعادة تركيبة وصياغة النظام العربي عموما بما يتناسب ومزاج السياسة السعودية الأمريكية ؛ وكذا خروج إيران من دائرة العقوبات الاقتصادية وعدم تراجع وتوقف الدب الروسي عن دعم النظام السوري وعرقلته لمشروع الصياغة البديلة للأنظمة الحاكمة وعلى وجه الخصوص نظام الأسد .. وأثناء هذه المعمعة والدربكة السياسية في المنطقة؛ قررت السعودية الدخول في الحرب النفطية وكسر عظام الروس وإيران اقتصاديا وبدعم أمريكي مسنود بموافقة أوروبية مسبقة وذلك من خلال خفض أسعار النفط وبشكل تدريجي من أواخر العام 2014م حتى وصل سعره من 124 دولارا للبرميل إلى 48 دولارا للبرميل ؛ والذي يتأرجح حاليا بين 30 إلى 39 دولارا؛ والهدف القضاء على اقتصاد روسيا وإيران ؛ حيث يعتقد النظام السعودي أن عاملي الحرب في سوريا وعديد من الدول المجاورة لروسيا وبالمنطقة العربية بالإضافة إلى انهيار سعر النفط؛ سيقسمان روسيا كما حصل للاتحاد السوفيتي عندما تفكك وتقسم إلى دويلات في 1990م .

في شهر أبريل من العام الماضي 2015م بعث الرئيس بوتين رسالة إلى رئيس منظمة أوبك يطالب فيه أعضاء المنظمة بإعادة النظر في سعر النفط واتخاذ قرار بتخفيض إنتاج النفط ليتناسب مع العرض والطلب ويستقر سعر البرميل عند رقم مناسب ؛ وكان الرد سريعا بأن منظمة أوبك – التي تضم 35% من إجمالي عدد منتجي النفط في العالم – تسعى إلى الرفاهية العالمية ودعم الاقتصاد العالمي ؛ فكان الرد من الرئيس الروسي يصب في دعم تلك الرفاهية برفع سقف الإنتاج الروسي من تسعة ملايين برميل إلى 14 مليون برميل وذلك في يوليو 2015م مما سبب في تهاوي سعر النفط إلى أقل من 30 دولارا للبرميل؛ في ظل أن إيران كانت تنتج قبل رفع العقوبات 300 ألف برميل وتذهب إيرادات النفط إلى حسابات مغلقة وقد وصلت الأيام الأخيرة من شهر مارس إلى إنتاج مليوني برميل وتطمح في إنتاج ثمانية ملايين في غضون الثلاث السنوات القادمة؛ فضلا عن غياب النفط الليبي واليمني والسوري والعراقي ؛ حيث كانت السعودية هي من تقوم بمد العالم عوضا عن حصص هذه الدول الغارقة في الحروب الطائفية والجهوية والمذهبية وصراعات والوصول إلى الحكم والسلطة؛ وما إلى ذلك من الخلافات والاختلافات التي ظلت تخدم النظام السعودي وارتفاع أسعاره الجنونية .

و بحسب تقارير دولية واقتصادية فإن الموازنة العامة لحكومة الدب الروسي تصل إلى نحو 10% من إيرادات النفط فقط بينما السعودية تعتمد موازنتها العامة على النفط بنسبة تزيد عن 90%.. وبالرغم من محاولة السعودية تهدئة اللعبة مع روسيا في هذا الملف؛ إلا أنها ظلت ولفترة من الزمن تخوض حروبا خفية ومتعددة الأوجه والأدوات لتبقي على نفسها كسيدة للعالم وصاحبة علامة المنتج الأكبر في المعمورة للذهب الأسود ” النفط “؛ ولذلك خاضت السعودية العديد من الحروب الباردة والساخنة وأثارت التوتر العسكري والسياسي بين دول المنطقة لتحقيق هدفها في الهيمنة النفطية وبدعم وتواطؤ من الدول العظمى .

و لعل التاريخ وتواتر الأحداث والصراعات في المنطقة العربية والشرق الأوسط تؤكد وترصد ذلك وتجرنا إلى الشواهد والقرائن التي تؤكد منهجية وعمق تلك الحقائق والأهداف الخفية من وراء كل ذلك وما وراء هذه السياسات الخطيرة التي تعصف بشعوب المنطقة وحالة عدم الاستقرار؛ وأدت إلى حدوث هذه الأغوار والجروح والصراعات وشق الصف العربي وحالة التشظي للأقطار في المنطقة خاصة ودول الإقليم عموما .

من هذه الشواهد عندما عمد النظام السعودي في جلب حليفه الأمريكي لخوض الحرب الخليجية الأولى ضد نظام صدام حسين بداية تسعينيات القرن الماضي؛ فلم يكن الهدف من تلك الحرب كما كان يروج لها منع صدام حسين من امتلاك السلاح النووي والكيميائي ولكن كان الهدف الحقيقي إيقاف العراق من إنتاج النفط وبقاء إنتاجه عند حدوده الدنيا اثنين مليون برميل وكذا عرقلة طموح العراق من إنتاج ستة ملايين إلى ثمانية ملايين برميل ؛ وهذا الأمر اتضح جليا بنتيجة الحرب حين خلص قرار دول الفيتو إلى أن ما ينتجه العراق من نفط يذهب مقابل الغذاء وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي آنذاك ؛ وبالتالي حققت الحرب هدف السعودية في إيقاف نفط العراق المنافس لها؛ باعتبارها أكبر مصدر للذهب الأسود وتولت السعودية تعويض حصة العراق في السوق العالمية .

إلى أن لم تكن العراق هي الوحيدة في المنطقة بل كانت أيضا وسيلة لخصومها.. فقد عملت السعودية ومنذ الوهلة الأولى على إخماد النظام الإيراني الحديث والناشئ؛ كون هذا النظام الناشئ يخالف النظام السعودي مذهبيا وأيضا لامتلاك إيران احتياطيا نفطيا كبيرا.. ودأبت السعودية -في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي وبعد قيام جمهورية إيران بثلاث سنوات فقط- دأبت على الزج بنظام صدام حارس البوابة الشرقية للخليج في حرب مع إيران لأجل إيقاف هاتين الدولتين من التفرغ في منافستها على إنتاج النفط وتطوير هذه الصناعة التي لا تخدم الهدف الاستراتيجي للنظام السعودي في إبقائه متربعا في التحكم بإنتاج النفط للعالم؛ ولذلك ظلت تغذي الحرب لما يقارب ثمان سنوات والتي انتهت في 1988م .

و من المعروف أن النظام السعودي- بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية ودخول العراق في حرب الخليج وكانت إيران قد دخلت دائرة العقوبات الاقتصادية وتعاظمت مطلع القرن الحالي بسبب الملف النووي- بدأ النظام السعودي يتلاعب بملفات المنطقة السياسية والاقتصادية؛ فقد اصطنعت السعودية الصراعات المذهبية كما هو الحال في العراق بعد سقوط بغداد بيد الأمريكان في 9 أبريل 2003م مما حال دون خروج العراق من دائرة الصراعات والديون التي أغرق بها منذ سنوات طوال ؛ كما هو الحال في حالة العداء والخصومة مع إيران ومحاولة السعودية إعادة إيران إلى دائرة العقوبات والعزلة الاقتصادية.. ولعل مقاطعة دول الخليج لإيران سياسيا واقتصاديا دليل دامغ على سياسة النظام السعودي في المنطقة.

استغلت المملكة السعودية ما سمي بـ “بالربيع العربي” لتدمير الدول وأنظمتها وحكوماتها وركزت على دول الجمهوريات والمنتجة للنفط مثل ليبيا والعراق وسوريا واليمن والجزائر وأدخلت هذه الدول في دوامة الصراع السياسي كالديمقراطية والاستبداد في الحكم والحكم الوراثي العائلي وما إلى ذلك من الأمور الغريبة التي ما يزال العالم إلى اليوم يستغرب من تلك التصرفات من نظام عائلي وراثي مستبد وغير ديمقراطي؛ يرغب في تصحيح أنظمة تلك الدول .

يدور الحديث في كل المحافل عن تدهور أسعار البترول، وبينما يتحدث الخبراء الاقتصاديون عن التحديات الكبيرة التي تواجهها الدول المعتمدة على النفط مثل فنزويلا وروسيا، فإن المملكة العربية السعودية تحتل المركز الأول في سلم التحديات؛ ومع ذلك تبقى السياسات السعودية ذاتها بينما اتجهت دول خليجية للبحث عن أسواق جديدة وتنويع مصادر دخلها كي لا يبقى اعتمادها الأوحد على النفط، مثل الإمارات التي تنبهت لهذه النقطة ونوعت مصادر إنتاجها بخلق بيئة مشجعة للاستثمار وجاذبة للسياح، وقطر التي يجرى ضخ الاستثمارات فيها تحضيراً للمونديال المقرر إقامته عام 2022م؛ بالإضافة لاحتياطي الغاز الذي تملكه.. لذلك بقيت المملكة العربية السعودية رهينة لارتفاع وانخفاض أسعار النفط الذي يشكل 90% من صادراتها و80% من دخل ميزانيتها وها هي اليوم تعيش وضعاً صعباً -مع توقعات بأن يسوء أكثر وأكثر- عقب الخسائر التي منيت بها بسبب انهيار أسعار النفط حسب خبراء ؛ يضاف إلى ذلك تكلفة الحرب التي تخوضها في اليمن.

و من المؤكد أن حالة الفوضى التي تعيشها المنطقة بسبب السياسات السعودية الرامية للحفاظ على مملكتها النفطية وحالات الإرباك وفقدان نظام آل سعود لكل خيوط اللعبة التي كانت تدور في المنطقة وتحاول أن تحافظ بها على إمبراطوريتها النفطية؛ فإن هذه الحرب سيخرج منها العالم بشكل مختلف عن الشكل الذي بدأ به.. وكالعادة الشعب العربي هو المسرح الرئيسي الذي ستدار هذه الحرب العالمية على أرضه، ونحن من سندفع فواتير هذه الحرب من أرواحنا وثرواتنا الاقتصادية والطبيعية..

هذه الحرب العالمية بدأت بالاعتداء على اليمن، وستكون نتائجها أكثر كارثية ما لم تتوقف السعودية عن الخوض بالشأن اليمني؛ فبالإضافة للاستنزاف السعودي الذي تسببت به الحرب، فإن أحدث تقارير المنظمات الدولية وحقوق الإنسان تبين بأن خسائر اليمن تجاوزت الـ55 مليار دولار وأن أكثر من 80% من الشعب اليمني بات بحاجة للمساعدات الإنسانية من غذاء ودواء.. بينما تعاني نسبة تتجاوز الـ10 ملايين من خطر الموت بسبب المجاعة وشح المياه وتفشي الأمراض ونقص الدواء والمعدات الطبية.

المكابرة السعودية وعنادها في التضحية بالمليارات من الدولارات من صندوقها الاحتياطي الضخم؛ جعل الكثير من الدول المنتجة للنفط تتأثر نتيجة تلك السياسة الهوجاء.. وتأكيدا لما ذكرت آنفا أستند في هذا الموضوع التحليلي إلى تقرير لرئيس منظمة أوبك ؛ ففي مطلع مارس الماضي أعرب رئيس منظمة أوبك للدول المصدرة للنفط عن رغبته في عقد اجتماع طارئ للمنظمة للبحث في الانخفاض الحاد المتواصل لأسعار النفط عالميا..

وأكد ايمانويل ايبي كاشيكو الذي يشغل منصب وزير المصادر النفطية في نيجيريا، “قلنا إذا وصل (سعر برميل النفط إلى 35 دولارا للبرميل)، سنبدأ البحث في عقد اجتماع طارئ”، على هامش منتدى للطاقة.
إلا أن رئيس أوبك أكد الحاجة لطرح هذا الموضوع على الدول الأعضاء في المنظمة، ومن أبرزها السعودية ودول خليجية أخرى، سبق لها أن رفضت خفض إنتاجها من النفط لمحاولة رفع الأسعار.

وأضاف كاشيكو : إن آراء الدول الأعضاء في المنظمة متباينة حول التدخل في الأسواق العالمية؛ وأن مجموعة (من دول أوبك) تشعر بالحاجة إلى التدخل؛ فيما تشعر مجموعة أخرى انه حتى وإن تدخلنا، فنحن لا نشكل سوى ثلاثين إلى 35%من منتجي النفط في العالم وإن قرابة 65%من السوق (النفطية) خارج أوبك ، موضحا أنه في حال عدم اتخاذ الدول غير المنضوية في أوبك إجراءات لتعديل الإنتاج، فان تأثير دول أوبك على السوق سيكون محدودا.

وبحسب رئيس أوبك فإن الدول الأعضاء سبق وأن رفضت خفض الإنتاج على رغم التراجع الكبير في أسعار النفط منذ منتصف عام 2014م، خشية أن يؤدي ذلك إلى فقدانها جزءا من حصتها في السوق النفطية العالمية.

خلاصة القول .. إن الحرب في اليمن وسوريا وليبيا والعراق ليست من أجل الديمقراطية ولا من أجل رفع الظلم والاستبداد عن الشعوب العربية وليست أيضا حربا مذهبية سنية شيعية ؛ كما أنها ليست تمددا لقوى النفوذ ؛ بل هي في الحقيقة حرب اقتصادية نفطية بامتياز وساحتها دول الشعوب العربية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ؛ حرب الحصص النفطية بانت وأصبحت اللعبة اليوم مكشوفة؛ فإيران تتصارع مع السعودية لاستعادة حصتها من السعودية والأخيرة تصارع العالم من أجل المحافظة على حصتها البالغة أكثر من 12 مليون برميل نفط يوميا؛ والدول الكبرى والصناعية..فهي لذلك تأجج هذه الحرب لأنها المستفيد الأوحد منها وذلك من خلال تدفق النفط بأقل الأسعار والاستفادة القصوى من الرخاء الاقتصادي الذي تعيشه شعوبها.. وللعرب الحرب والأشلاء والدمار والدماء.. والانتشاء في انتصاراتهم وفي السلاح الذي يمتلكونه في قتل المسلمين في بلدانهم العربية .. ولا عزاء..!

نقلا عن صحيفة الثورة

حول الموقع

سام برس