بقلم / علي حسن الشاطر
التحولات التي شهدها الواقع اليمني كجزء من عملية التحولات الإقليمية والدولية والعلاقات الجدلية والتأثيرات التبادلية لهذه الأحداث، ودرجة التطور والتحول النوعي في الوعي والثقافة السياسية العقلانية على المستوى الفردي والجمعي، كان اليمنيون يعتقدون أنها ستكون حائلاً أو تشكل سداً أمام محاولات إعادة استنساخ التجارب السياسية السابقة التي ارتبط بها الظلم والقهر والاستبداد والتخلف والانغلاق، لأن مثل تلك التجارب عفى عليها الزمن وتجاوزها الواقع، واستنفدت كل مقومات بقائها أو إمكانية فرضها من جديد، ولم يعد لها وجود في الخارطة السياسية الوطنية والدولية، وأية محاولات من هذا القبيل لا تجلب لأصحابها النجاح بقدر ما تجلب للوطن والشعب الويل والدمار، ولعلّ ما شهدته اليمن من متغيرات هامة وأحداث متسارعة، وصراع مدمر بين الأحزاب والقوى والمكونات السياسية حول السلطة خلطت جميع الأوراق، خاصة منذ أحداث عام 2011م والتي اتسمت بالمأساوية بالنظر إلى نتائجها الكارثية المعاشة حالياً، فبدلاً من الوصول إلى هدف التغيير الإيجابي الذي كان ينشده الشباب، ويتطلعون من خلاله نحو حياة أفضل ومستقبل أكثر إشراقاً وطمأنينة إلا أن نتائج ذلك التطلع جاءت مخيبة لكل الآمال، وأدت إلى اشتداد الصراع، برغم الجهود التي بذلت على المستوى الداخلي ومن الإقليم في محاولة لإخراج اليمن إلى بر الأمان وضمان حق مشاركة كل الأطراف السياسية في الحكم والسلطة على أسس وقواعد حددتها الضرورات الوطنية وترجمتها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة والتي شكلت برنامج عمل وطني إنتقالي للتعامل مع ظرف استثنائي وواقع مستعصِ واستوعبت تطلعات الشباب المشروعة في التغيير والعمل على تحقيقه المتدرج ضمن الآليات والوسائل السلمية والديمقراطية التوافقية، كما أن هذه المبادرة وآليتها التنفيذية شكلت حاجزاً إقليمياً ودولياً قوياً لصد كافة المغامرات السياسية والنزعات المتطرفة والممارسات المتشنجة للوصول إلى السلطة أو الاحتفاظ بها بوسائل العنف، ومثلت في الوقت ذاته الحد الأقصى الذي يمكن أن تصل إليه أحلام وتطلعات ومشروعات القوى والتيارات والتحالفات السياسية والقبلية والعسكرية المتصارعة والساعي كل منها لفرض أجندة وخيارات التغيير الذي يريده ويخدم مصالحه بوسائل غير سلمية وغير مشروعة، والأهم من ذلك أن المبادرة حاولت توفير الضمانات المستقبلية الكافية لكبح جماح المغامرات والرهانات على وسائل القوة عبر سلسلة من الإجراءات والاستحقاقات المرحلية الضامنة لبناء وطن موحد ومستقر خالٍ من كل التعصبات والاحتكار والتهميش، يشارك الجميع في رسم ملامحه وتحديد توجهه وخارطته السياسية، ويتشاركون على أساس من العدالة في واجبات بنائه والدفاع عنه وحقوق مواطنيه في التمتع بخيراته دون استثناء.

وفي هذا السياق يمكن قراءة الدوافع والأسباب والأهداف الحقيقية للاستقطابات التي مارسها البعض، وإصرارهم على المضي قدماً في رهاناتهم الخاسرة ومغامراتهم السياسية الطفولية غير المحسوبة عواقبها ومخاطرها على المجتمع..

فصورت لهم أوهامهم المريضة وعبثيتهم السياسية أن الظرف الاستثنائي الذي تمر به البلاد قد وفر لهم فرصة تاريخية مناسبة للاستيلاء على السلطة بقوة السلاح وإلغاء وتهميش الآخرين، متناسين أن ما يحققونه على الأرض ليس أكثر من مجرد تراكمات سلبية خطيرة يقتصر أثرها في تهيئة الأرضية والبيئة المواتية لحرب أهلية طويلة الأمد، قد تكتوي بنارها نفس القوى التي مهدّت لإشعالها بعلم أو بدون دراية، كما أن المرحلة الاستثنائية الخطيرة التي يمر بها الوطن اليمني والتصدع الذي أصاب المجتمع على أساس من تناقض المواقف والولاءات والمصالح وإندلاع الحروب الداخلية في أكثر من منطقة وما صاحب ذلك من انفلات واختلالات أمنية، وشيوع للفوضى العارمة، وتزايد نشاط التنظيمات والجماعات الإرهابية، يحتم بالضرورة على كافة فرقاء العملية السياسية الارتقاء بمسؤولياتهم الوطنية ومواقفهم العملية وسلوكهم وتفكيرهم السياسي إلى ما هو أبعد من الحسابات والمصالح الحزبية والذاتية الضيقة، والإنهماك في البحث عن المعالجات الواقعية لخلافاتهم ومشاكلهم وأزماتهم برؤية منفتحة على الوطن والمستقبل، واستعداد تام ليس فقط لتقديم التنازلات المتبادلة، ولكن أيضاً التضحية بالمواقع والمصالح والامتيازات التي يؤدي التمسك بها إلى الإضرار بالوطن وإجهاض أي تسوية سياسية.

كما ينبغي التأكيد أن هذه وغيرها من التحديات والمتطلبات الحتمية لبناء يمن جديد بدولة مدنية حديثة لا يمكن أن تتحقق بشكل ناجز وسليم إلا من خلال فكر وطني ونهج سياسي إبداعي جديد يشترطه الواقع واحتياجاته المعاصرة والمستقبلية ولا تفرضه المصالح الخاصة وثقافة الأزمات وحسابات اللحظة السياسية وتوازناتها الآنية التي لا تضع أي اعتبار لحقائق الواقع والتاريخ والمتغيرات المتسارعة من حولنا، فكر سياسي وطني جامع، يكون قادراً على التعاطي مع كل قضايا الوطن بمسؤولية عالية وشفافة تستلهم كل تطلعات اليمنيين بمختلف فئاتهم وشرائحهم الاجتماعية وتوجهاتهم الفكرية والسياسية.

حول الموقع

سام برس