سام برس
انتفاضة التيار الصدري هل تتحول الى “ثورة” تنسف “العراق الجديد” وتؤسس لعراق آخر مختلف؟ وهل انتقلت الانقسامات الى الطائفة الشيعية ومرجعياتها الدينية والحزبية؟ ام انها صراع على السلطة لا اكثر ولا اقل؟ ولماذا انحازت “العربية” و”الجزيرة” الى هذه “الانتفاضة”؟


“العراق الجديد” يواجه انتفاضة غير مسبوقة يقودها التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، وهذه الانتفاضة يمكن ان تتحول الى ثورة، تطيح بنظام الحكم الذي يتزعمه السيد حيدر العبادي، بدعم من مرجعيات واحزاب شيعية وسنية.

المحتجون الذين ازدحمت بهم ميادين العاصمة اقتحموا البرلمان، ومزقوا اوارقه وملفاته، ونثروها على الارض، مثلما اقتحموا المنطقة الخضراء، اكثر اماكن العراق امنا، حيث توجد مقرات الحكومة والوزارات والامن، علاوة على السفارات الامريكية التي لجأ اليها عدد من النواب طلبا للحماية.

خطورة هذه الانتفاضة تأتي من حيث توقيتها، بالاضافة الى اسباب اخرى، لا تقل اهمية، تعكس ما يمكن ان تمثله في الحاضر والمستقبل:

اولا: اندلعت شرارة هذه الاحتجاجات بعد زيارة جو بايدن، نائب الرئيس الامريكي، واجتماع انعقد في بيروت بين السيد الصدر ونوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي الاسبق، وتردد انباء عن فشل اللقاء في التوصل الى اتفاق بين الجانبين اللذين يجمعهما العداء للحكومة الحالية.

ثانيا: هذه الانتفاضة رفعت شعارات تجد صدى ايجابيا لدى المواطنين العراقيين، مثل رفض المحاصصة الحزبية والطائفية في توزيع الحقائب الوزارية، وكذلك رفض التقسيمات الطائفية، فالشعار الابرز الذي ردده المتظاهرون “اخوان سنة وشيعة.. العراق ما نبيعه.. بالروح بالدم نفديك يا عراق”.

ثالثا: اعلان الحرب على الفساد والفاسدين، وتلبية احتياجات الفقراء، وهم غالبية الشعب العراقي، فالسيد الصدر يقدم نفسه على انه نصير الفقراء والمعدمين، وركز في مؤتمره الصحافي الذي عقده امس، واكد فيه على اعتكافه لمدة شهرين، على انهيار العراق، وغياب كل الخدمات الاساسية.

رابعا: ان هذه الاحتجاجات اكدت انتقال الانقسامات، من انقسامات بين الطائفتين السنية والشيعية، الى انقسامات بين ابناء الطائفية الشيعية نفسها، وبين التيار الصدري والمرجعيات والاحزاب الشيعية الاخرى، مثل حزب الدعوة، الذي يتزعمه السيد العبادي، وحزب المجلس الاعلى، الذي يقوده السيد عمار الحكيم.

خامسا: ان هذه الاحتجاجات تأتي في وقت تتصاعد فيه التحضيرات من قبل حكومة العبادي وحليفها الامريكي لشن هجوم موسع لاستعادة مدينة الموصل، واخراج قوات “الدولة الاسلامية” منها.

سادسا: لوحظ ان قناتي “العربية” و”الجزيرة” قد اتفقتا ضمنيا على دعم الانتفاضة وتقديم التغطية الاعلامية لها، وبث المؤتمر الصحافي للسيد الصدر على الهواء مباشرة، مما يعني في نظر الكثيرين، ان السعودية وقطر تدعمان هذه الانتفاضة، وهذا ليس غريبا، فقد زار السيد الصدر الرياض اكثر من مرة، ووجد فيها ترحيبا حارا.

ما يمكن استنتاجه من كل ما تقدم، ان هذه الانتفاضة المرشحة للاتساع والاستمرار في الوقت نفسه، يمكن ان تتحول الى ثورة، على غرار ثورة يناير في مصر عام 2011، خاصة اذا وجدت دعما من ابناء الطائفة السنية او بعضهم، وكذلك دعم لبعض الشرائح الشيعية الاخرى الساخطة على المحاصصة الطائفية، وفشل النخبة الشيعية، التي جاءت مع الاحتلال الامريكي، في تقديم النموذج البديل لنظام البعث الذي اطاح به الاحتلال الامريكي للعراق.
العراق وبعد 13 عاما من الاحتلال الامريكي تحول الى دولة شبه فاشلة، عراق بلا هوية وطنية جامعة، عراق يسوده الفساد وتنعدم فيه الخدمات الاساسية وابرزها التعليم، والماء، والكهرباء، والصحة، رغم انه مصدر للنفط، ويجري في ارضه الخصبة نهران.

من الصعب علينا التنبؤ بالشكل الذي يمكن ان تتطور اليه الاوضاع في العراق في الايام والاسابيع المقبلة، وما يمكن قوله، ان شرارة الانتفاضة انطلقت، وان السيد العبادي المختفي حاليا في مكان آمن، باتت ايامه في السلطة معدودة، ان لم تكن قد انتهت فعلا، فقد فشل في توحيد البلاد، وتحقيق المصالحة الوطنية، وتوفير الامن لمواطنيه، ودمج الطوائف والاعراق الاخرى، في حكومة وحدة وطنية حقيقية تمثل العراق ككل، او معظم شرائحه على اسس الكفاءة، وليس على اسس المحاصصة، والرضوخ لطلبات واملاءات الكتل السياسية الفاسدة.
عراق جديد في طريقه للانبثاق من “العراق الجديد”، واذا لم تنتصر هذه الانتفاضة في تحقيق الاصلاح، والقضاء على الفساد، وتحقيق الوحدة الوطنية، وتقليص الانقسامات الطائفية ان لم يتأت ردمها، فإن البديل قد يكون التقسيم الى ثلاث كيانات، واحد شيعي في الجنوب، وثاني سني في الوسط، وثالث كردي في الشمال، مع احتمال حدوث انقسامات وعمليات تفتيت لهذه الكيانات الى كانتونات متصارعة فيما بينها، علاوة على صراعاتها مع الكيانات الاخرى.

مستقبل العراق لا يبدو ورديا للأسف، وربما يكون اسوأ بكثير من حاضره على المديين القصير والمتوسط على الاقل، وهذه الانتفاضة ضد الفساد والمحاصصة الطائفية، ومحاولة التقريب بين السنة والشيعة، والتأسيس لوحدة وطنية عراقية، ربما تعلق الجرس، وتنبه النائمين للاخطار الحالية والقادمة، والله وحده الذي يعلم بالغيب في كل الاحوال.
نقلا عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس