سام برس
تراجع فرنسا عن منع “البوركيني” انتصار للعدالة واحترام حقوق الانسان.. لماذا شعرنا بالغضب لنزع ملابس سيدة محجبة على شاطيء نيس بطريقة همجية؟ وهل سيدات “الدولة الاسلامية” يسبحن وسط العراة؟ انها لوبيات العنصرية والكراهية

قرار مجلس الدولة الفرنسي الذي صدر اليوم “الجمعة” بتعليق منع لباس البحر “البوركيني”، يعتبر انتصارا للعدالة، والحريات الشخصية، ولكل القوى الشريفة الحية التي عارضته انتصارا لحقوق الانسان، والحريات الشخصية.

هذا القرار العنصري الذي دعت اليه، وايدته جماعات واحزاب فاشية معادية للاسلام ومعتنقيه، خاصة القادمين من دول الاتحاد المغاربي، شكل وصمة عار في تاريخ فرنسا العلمانية، وبلد الليبرالية والحريات الشخصية والدينية، ومصدر الاشعاع الثقافي والتنويري.

“البوركيني” ليس لباسا اسلاميا، وانما لكل السيدات، من مختلف الاديان والاعراق، اللواتي لا يردن التعري على الشواطيء العامة او الخاصة، لاسباب صحية او اخلاقية اخرى، مثل عدم الرغبة للتعرض للشمس، او السترة، واشهر مقدمة لبرامج الطبخ في بريطانيا وامريكا، السيدة نايجيلا لوسون، كانت من اشهر السيدات اللواتي ارتدينه لاسباب شخصية، وهي بالمناسبة من اصول يهودية، ووالدها كان وزيرا للخزانة البريطانية.

الاسر والاناث المسلمات المتشددات خاصة لا يرتدين “البوركيني”، ولا يذهبن الى الشواطيء الفرنسية، لانهن محافظات يرفضن الاختلاط بشبه العراة من السباحين من الجنسين، نقول هذا ردا على اولئك السياسيين والكتاب العنصريين الذين يروجون لمثل هذه المفاهيم المغلوطة عن الاسلام والمسلمين لخدمة اجنداتهم الفاشية.

قرار منع “البوركيني” غير المأسوف عليه، كان اكبر خدمة تقدمها السلطات الفرنسية لـ”الدولة الاسلامية” وتنظيم “القاعدة”، وكل الجماعات الاسلامية المتشددة، لانه يبذر بذور الحقد والكراهية ضد ابناء الجاليات الاسلامية، ويوسع الهوة بينهم والمجتمعات الذين ولدوا، وعاشوا، ولم يعرفوا غيرها، ويسهل بالتالي عمليات تجنيدهم او البعض منهم في صفوف هذه الجماعات، ودفعهم للاقدام على هجمات ارهابية،مثلما حدث في باريس وبروكسل قبل اشهر.

فرنسا اصبحت اسيرة لهذه الجماعات العنصرية المتطرفة ولوبياتها السياسية والاعلامية، نقولها بكل اسف ومرارة، فبعد نجاحها، اي هذه الجماعات، في منع ارتداء التلميذات للحجاب، والسيدات للنقاب، كادت ان تنجح في منع لباس البحر المحتشم “البوركيني”، وربما تبني حملات المرشح الجمهوري دونالد ترامب في التعاطي مع المسلمين كإرهابيين، ومنعهم من دخول البلاد في مرحلة لاحقة.

شعرنا في هذه الصحيفة “راي اليوم” بالغضب الممزوج بالإهانة، ونحن نرى ثلاثة رجال شرطة فرنسيين يهجون على سيدة مسلمة ويأمرونها بنزع ملابسها على احد شواطيء مدينة نيس جنوب فرنسا، فهذه السيدة التي كانت ترتعش خوفا، لم تجد احدا يتعاطف معها، او يحترم خصوصيتها، وحفاظها على عقيدتها وعفتها وعاداتها وتقاليدها، ورضخت لهذا الاستفزاز الهمجي مكرهة وخائفة، وربما كانت مهاجرة جديدة لا تعرف حقوقها، ومسكونة بالخوف من الشرطة وقسوتها في بلادها.

هؤلاء الذين يطالبون المسلمين في فرنسا بإحترام القوانين والثقافات والقوانين العلمانية او المغادرة الى بلدانهم الاصلية، وارادوا ان يكونوا اكثر ملكية من الملك نفسه، يجب ان يشعروا بالخجل وهم يجدون انفسهم في خندق الكراهية والعنصرية ذات الجذور الاستعمارية البغيضة، تحت ذرائع متعددة لا يتسع المجال لذكرها، فهل فرضت مجتمعاتنا الاسلامية على الاوروبيين لبس “البوركيني” على شواطئنا؟
نشكر في هذه الصحيفة كل الشرفاء الذين ثاروا ضد تلك القوانين العنصرية، وعارضوها بقوة، سواء داخل فرنسا او مختلف انحاء العالم، وانتصروا لقيم العدالة وحقوق الانسان، والحريات الشخصية، واحترام ابناء الديانات والثقافات الاخرى.

فرنسا بالغاء قرار منع “البوركيني” انقذت ماء وجهها، وردت الاعتبار لقيم العدالة والحريات، التي جاءت بها وانتصرت لها ثورتها، وانصفت مواطنيها من معتنقي الديانة الاسلامية، واستجابت لابسط حقوقهم، وقدمت وجها حضاريا انسانيا لعلمانيتها، ونأمل ان تستمر على هذا الطريق حماية لصورتها، تثبيتا لامنها، وحفاظا على استقرارها، والتعايش على ارضها.
خير الخطائين التوابون.
“راي اليوم”

حول الموقع

سام برس