بقلم / عبدالكريم المدي
قُلنا قبل عام ونصف العام : إن العدوان السعودي على اليمن وبتلك الطريقة الوحشية ،المصحوب بلغة إستعلائية ، جنائزية ، إستعراضية لن يصنع سلاما أبدا وسيقتل الناس ويمعن فقط، في رفع منسوب الكراهية لدى الكثير من اليمنيين تجاه النظام السعودي/ الخليجي إلى جانب تكريس منطق حالة الأزمات وتحفيز أعداد كبيرة إلى مقاومة ما يجري بحقهم وإعتبار ذلك فرض واجب على كل مقتدر لحمل السلاح ، خاصة وإن حب الشخص في هذه الجفرافيا لبلده يرتقي لمستوى العبادة .

لقدأكدت الأيام أن (عاصفة ) السعودية خلت من أي معاني إيجابية،أوحسنة تُذكر عدا حسنة تعرية أصحابها وعوالمهم السفلية وأغوارهم المظلمة هم وحلفاؤهم الغربيين الذين ،ربما فاق بعضهم من غيبوبته مؤخرا وحزم حقائبه وطار من واشنطن إلى جدة مُقدِما خطة للسلام لم يخف فيها وفي مؤتمره الصحفي إنحيازه وكذا الصداع الشديد الذي أصابه جرّاء ما تتعرض له المناطق والمدن الحدودية لحليفه السعودي، ومما اسموه – أيضا- بخطر الصواريخ الإيرانية التي ترسلها للحوثيين، والتي استحقت بالطبع ، إدانة ورفض واشنطن لها والتحرك لوقفها، في الوقت الذي لم تعر فيه أي إنتباه حيال قتل وجرح آلاف اليمنيين وتدمير كل مقدراتهم وبنيتهم التحتية وحتى خلال عام وسبعة أشهر من القصف الجوي والبحري.

وللتذكير – أيضا – إننا قلنا مررا: ماذا تتوقعون ردة فعل أناس ابتلعوا بصعوبة، كبرياء واحتقار السعودية وخليجها لهم طوال (5) عقود واقتطاع أجزاء واسعة من أراضيهم وصولا إلى الحصار المطبق والإعتداء المباشر الذي ادى إلى تمزيق أجساد فلذات أكبادهم وأحبائهم،ومن بقي منهم حيا هُجّر من بيته وأرضه وأذل على مختلف المستويات داخل بلاده وخارجها؟

ماذا تتوقعون من أناس قد غادرهم الصبر وافترسهم الإحباط والحرمان واليأس والخوف والجوع ،ماذا تنتظرون منهم غير حمل السلاح والتوجه به صوب مناطق ومواقع المعتدي، مفضلين الموت في دياره، بدلا عن الموت المهين جوار نسائهم وأطفالهم، وإنتظارأصوات الطائرات وإنفجارات قنابلها وصواريخها فوق رؤسهم ، وهم أعجز من أن يمنحوا أطفالهم الطمأنينة أو يأمنوا لهم ليلة واحدة كي يناموا بسلام وينالوا بذلك شرف حمايتهم ؟

حقيقة لم يعد هنا لدى الكثير من الناس أي قيمة ومعنى لحياة من هذاالنوع ، ولا فرق عندهم بين أن يكون تحالف ( صالح – الحوثي ) ، تحالفا زيديا أم شافعيا ، شيعيا أم سُنّيا ، المهم هو إنه تحالف يمنيين ،حتّم عليهم تأييده والقتال تحت قيادته ومواجهة دبابات (الإبرامز) وأحدث وأعتى أنواع الأسلحة الأميركية والغربية، برشاشات وقنابل يدوية مصنوعة محليا بارودها الحقيقي هو الإرادة وقوة الإيمان اللتان تتفتت أمامهما جبال نجران وعسير وجيزان وتسقط أضخم الترسانات والمعدات العسكرية .
( لهم حديدٌ ونار ** وهم من القشّ أضعف ) *عبدالله البردّوني .

اليمنيون يصنعون اليوم في جنوب السعودية ملاحم أسطورية، يجترحون بطولات كبرى ، ولمن يُشكك في صحّة ما نقوله ، ننصحه بمتابعة ما تبثّه من تسجيلات لمعارك حية قنوات ( اليمن اليوم – اليمن الفضائية – المسيرة – الساحات).

نعترف ، ربما أننا لا نضيف جديدا حينما نقول : إن المتأمل في مجريات الأحداث والممارسات السعودية سيدرك أن ما قامت وتقوم به الأخيرة يندرج في إطار المساعي الحثيثة لتحويل اليمن إلى شعب من غير دولة، دافعة الجميع بأقصى سرعة نحو إفتراس بعضهم بعضا وتجاوز كل حدود الاختلاف والخطوط الحمراء ولا يعنيها إن هذه السياسة كارثة كبرى على المنطقة برمتها متجاهلة كل المحاذير الواقعية ومستمرة في الضرب على كل الاتجاهات معتقدة أنها ستقضي على التمرد الذي ،لكن حصل العكس ،فكلما مر شهراتسعت الدائرة وجن جنونها حتى وصلنا إلى الشهر الـ (17) وما تزال مصرّة على عدم نزع الغمامة عن عينها.

السؤال الذي يفرض نفسه اليوم : يا ترى هل ستضع خطة ( كيري ) نهاية للعدوان على اليمن ، وهل ستضع الحرب أوزارها ويتنفس اليمنيون الصعداء ويشكلون حكومة وطنية ويستعيدون سيادتهم ودولتهم، ويستطيعون- أيضا - زيارة المقابر وقراءة الفاتحة على شهدائهم من دون أن تقصفها طائرات ( الأشقاء ) كما قصفت من قبل مقابر صنعاء وذمار وحجة وصعدة وعمران وووالخ ؟

وهل ستعمل أميركا صادقة – وليس كمسكنات تتعلق بالانتخابات وصفقات بيع الأسلحة–على تشجيع كل الفرقاء للملمت جراحاتهم وتجميع قواهم من أجل تحقيق السلام والتقدم للأمام والتخلص من كل الأوهام والشكوك المبنية عليها ؟

ويا تُرى: هل سيتحلى اليمنيون بالحكمة ويستوعبون مرارة التجارب ويعلمون إنهم المسؤلون بدرجة رئيسة عما يجري، وعن نشر ثقافة الموت التي ترعاها وتتبناها الشقيقات الكبرى والصغرى والأصغر ،فلأصغر ؟
ثم هل سيضعوا حدا لهذا العبث ويقطعون الطريق أمام التجاذبات والاستقطابات الطائفية الإقليمية والدولية التي أوشكت أن تدمروتقتل الجميع؟

في الواقع لا تتوفر لدينا إجابات لهذه التساؤلات وغيرها ،ولا شك إن القادم وكذا المعنيين هم من سيتكفل بالإجابة عليها ، أما نحن فلا نملك إلا الإنتظارفقط ،نتمنى أن لا يكون من قبيل إنتظار من لا يأتي ، أومن يثير التساؤلات ويعجز عن تقديم الإجابات..
* نقلا عن رأي اليوم اللندنية

حول الموقع

سام برس