بقلم / أحمد عبد العزيز الجارالله
هل كانت تحتاج الولايات المتحدة الاميركية الى نحو 300 الف قتيل وما يزيد عن مليون جريح ومعوق، و12 مليون نازح ومهجر كي تدرك ان الحل في سورية لا يمكن ان يكون عسكريا، وأن المفاوضات السياسية الطريق الوحيد لإنهاء أزمة هذا البلد العربي الذي اصبح كأنه يعيش في القرون الوسطى؟
ألم تكن الدولة الاقوى في العالم تدرك ذلك قبل خمس سنوات ونصف السنة، أم أن المصلحة الاسرائيلية قضت بتدمير سورية كي يكتمل عقد الدول العربية الممزقة والضعيفة؟

هل سيُتبع موقف الوزير جون كيري اعتراف الولايات المتحدة رسميا، في المستقبل القريب، بما قالته المرشحة الرئاسية هيلاري كلينتون عن ان بلادها هي من اسست “داعش”، كما تكشف عن أسباب عملية الابتزاز السياسي التي مارستها طوال السنوات الماضية ضد السعودية والكويت ودول “مجلس التعاون” من خلال تحميلها مسؤولية التطرف، أم ستقول أن ذلك التجييش والاستعداء كانا ضمن الحملات الانتخابية للمرشحين للرئاسة الذين لم يتركوا مثلبة إلا وألصقوها بالعرب والمسلمين، والخليجيين تحديدا؟

لو كانت واشنطن اعلنت ذلك منذ البدء، لوفرت كل الأرواح التي أزهقت، والتهجير الذي لم يسبق له مثيل، إضافة إلى هذا الدمار الكبير، ولكانت أيضا وفرت مراهنات المعارضة السورية التي بعثت الامل في نفوس الناس بأن التغيير قريب، وكان استطاع الشعب السوري فرض ارادته، سياسيا بالطرق السلمية على زعماء بلاده، لكن الواضح ان المصلحة الاميركية هي تلبية المطلب الاسرائيلي بالدرجة الاولى، ومساعدة حليفها غير المباشر، أي ايران، على العودة الى الساحة الدولية فوق جماجم السوريين والعراقيين واليمنيين بل والعرب أجمعين إذا تسنى لها ذلك.

يبدو أن مبدأ روزفلت الذي أعلنه في العام 1945 امام الملك عبدالعزيز” ان لا اصدقاء دائمين للولايات المتحدة إنما مصالح دائمة” لا يزال هو الأساس في السياسة الاميركية، ولأن مصلحة اسرائيل بالنسبة لها فوق كل الاعتبارات سارت بهذا المخطط، وحين اصطدمت بألغام وحش الارهاب الاخذ في الانتشار بالعالم، اعلنت ان الحل سياسي.

لهذا دفعت واشنطن بطهران الى اتون الصراع لأنها الأداة الطيعة في يدها لتنفيذ مخطط تل ابيب القديم، فيما نظام الملالي المتهور والمغامر الذي تأخذه نشوة التوسع جعل ايران العدو الاول للمسلمين والعرب، وتهدر ثرواتها وتتسبب اوهامه بفتنة طائفية.

مرة جديدة تثبت الولايات المتحدة انها ليست حليفا موثوقا يمكن المراهنة عليه، فاذا كانت في السابق استخدمت سياسة الوعود الخلبية مع العرب في القضية الفلسطينية، ولوحت براية الدولتين لعقود عدة حتى تمكنت اسرائيل من قضم معظم الاراضي الفلسطينية للحيلولة دون اقامة دولة مستقلة، فهي اليوم مارست السياسة نفسها في سورية التي لم يعد امام شعبها اي حل غير التخلي عن مراهناته على الولايات المتحدة ويعمل على معالجة أزمته بنفسه من خلال مفاوضات بين مكوناته كافة تنهي هذه المأساة، وتحدد شكل الدولة التي يريدها هو، وليس تنفيذ أهداف الولايات المتحدة التي لا تهمها إلا مصلحة إسرائيل.
*نقلاً عن السياسة الكويتية

حول الموقع

سام برس