بقلم / هشام شرف
خلال الـ 72 ساعة الماضية تعالت أصوات الاحتجاجات في عدة عواصم عالمية وتحركت – أيضا- آلة الإعلام الأميركية الضخمة بشكل لافت ومعها الى حد ما البريطانية ، على وقع صور المجاعة المؤلمه في محافظة الحديدة اليمنية التي تعتبرعيّنة للآثار والنتائج المخزية للعدوان والحصار الذي تفرضه السعودية وحلفاؤها على اليمن ..

وفي خضم هذه المآساة ظهرت السيده “كريستيان آمنبور ” في برنامجها العالمي الشهير “AMANPOR” تناقش تلك الصور، مع آخر مدعي عام أمريكي في محاكم الجرائم النازية قبل حوالي(66) عاما، وفي اللقاء سألته حول إذا ما كان المتسببون بهذا الوضع يستحقون الذهاب الى محكمة الجنايات الدولية ICC!

مشيرة في سياق حديثها إلى العدوان والحرب السعودية التي تقوم بالقصف العشوائي المستمر منذ ما يزيد عن (18) شهرا والتي اسمتها بـ (الحرب المنسيه) مستدلة على فضاعتها بصورصادمة ومنها صورة لفتاة تهامية التصق جلدها بعظامها، وكأنها لأحد ضحايا الهولوكوست، رغم محاولة برنامج الغذاء العالمي ربط السبب بنتائج العدوان السعودي.

بكل أسف تحدث هذه المجاعة في منطقة الساحل الغربي لليمن والعالم كله يدرك بأن سببها منع العدوان للصيادين من ممارسة أنشاطتهم ، التي تعتبر مصدر دخلهم الوحيد، ولعل الكثيرمن الناس يتذكرون مجزرة قصف المملكة لقوارب الصيادين في البحر الاحمرقبل أشهروسقط يومها أكثر من أربعين شهيدا من الصيادين،أما ذريعتهم الجاهزة، فهي منع تهريب السلاح للحوثيين، وبالنظر إلى هذه المعطيات نتساءل هنا: أين العالم من الحقيقة التي تقول إن الجارة ( الكبرى ) تحاربنا وتحاصرنا منذ شهور طويلة بهدف إحداث المجاعة الحاصلة اليوم والتي أدت وتؤدي إلى موت الإنسان اليمني وخاصة فئة الأطفال ، ناهيك عن إنتشار الأمراض والأوبئة الفتاكة كلكوليرا وغيرها؟

نعود إلى الموضوع الأساس وهو سر إهتمام الإعلام الأمريكي والدولي بما يحدث في اليمن مؤخرا جرّاء العدوان والحصار السعودي.

في الواقع قد يعزوه البعض إلى إزدياد الجرائم التي ترتكب بحق المدنيين،أو للمواقف الروسية الاخيرة في مجلس الأمن ومحافل أخرى والتي تتهم هي وكثير من الوسائل الإعلامية والمنظمات الحقوقية امريكا بالسكوت عما تقترفه الرياض من إنتهاكات، وذلك ردا على اتهام الأخيرة وواشنطن لمسكو بإرتكاب جرائم في سوريا ..قد تصح تلك الاسباب، ولكن هناك من يرى بأن هذه الصحوة المتأخرة تعكس رغبة ما للادارة الأمريكية المغادرة ومجموعات التحليل والتقييم وصنع القرار (Think Tank Groups) التي اقتنعت أخيرا بأنه لولا الدعم السياسي والعسكري الأميركي للسعودية لما تمكنت من شن عدوانها على بهذه الطريقة وأمام العالم كله، والاعلان عن لحظة انطلاقه عبر سفيرها من واشنطن .

وحاليا وأثناء عنفوان الزخم الانتخابي الأميركي تحاول أميركا من خلال بعض الدوائر في الخارجية والدفاع وجهاز المخابرات في “لانجلي” تبرير ومراجعة مواقفها المنحازه للرياض والتي عبرت عنها عدة مرات بالقول انها لاتعني “شيكا على بياض”، ولكنها تبريرات أتت بعد فوات الاوان، سيما وأنها عملت كثيرا على تحسين صورة المملكة وإدعاء زعامتها للمنطقه وفي المقابل رسم صورة قاتمة لصنعاء، وقد تجلى ذلك من خلال دعم تحركات إزاحة الرئيس علي عبدالله صالح مع بداية العام 2011والتغاضي عن محاولة إغتياله الفاشلة رغم علمها المسبق، وصولا الى شن الحرب على هذا البلد ..

ولا شك إن هناك الكثير من الوثائق التي ستجد طريقها الى النور قريبا عبر”ويكليكس″وغيرها من القنوات والتي ستظهر الدور الخطير والمدمر لصف من السفراء والمستشارين والخبراء في أمريكية وبريطانيا ،الذين خدعوا قياداتهم وبرلماناتهم وشعوبهم بتضخيم الخطر اليمني وإدعاء الخطر الذي يمثله الرئيس صالح والجيش على مصالحهم.

أتحدث بهذا الكلام بشفافية وليعذرني العديد من الأصدقاء الاميركان، ممن عملنا معا في مجالات التعاون والبناء والتنمية ومكافحة الارهاب خلال السنوات الماضية، وما حديثي هذا إلا من باب العتاب الودي، ونقدر، في الوقت ذاته، تمسك الكثير من المسؤلين الأميركان بصداقتهم مع اليمن في مختلف دوائر القرار،لكن نجد أنه من المفيد التنبيه الى ان هناك من يحاول جر وتوريط واشنطن في صراعات عبثية في منطقتنا خدمة للوبيات صناعة وبيع الأسلحة وعمولاتها، وكذا مصالح المجموعات السياسية والمالية قصيرة النظر التي لايهمها إلا تحقيق العمولات والثروات على انقاض الدول ودماء وأشلاء الشعوب .

ختاما: نتساءل : هل يمكن للإعلام الأمريكي والسياسيين التحرك ،وتحريك الإدارة الجديدة وفقا لقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والمثل التي تنادي بها أميركا دائما،بعيدا عن تاثيرات المصالح المادية والشخصية التي غالبا ماأبتعدت بامريكا عن مبادئها.

وهل نتوقع ، ايضا، أن تكون السيدة “كريستيان أمنبور ” الجريئةوصاحبة الصوت العالي قريبا في صنعاء ،ولو بالتنسيق مع الأمم المتحدة ، وتحت حماية اليمنيين كي تنقل للعالم معاناة هذا الشعب المدافع عن كرامته والذي يقتل ويحاصر والمحروم من وصول الدواء والغذاء إليه،وليس ذلك فحسب، بل قد وصل الأمر إلى حرمان مئات الآلاف من الموظفين من رواتبهم ؟
* وزيرسابق للتجارة والنفط والتعليم العالي في اليمن وعضو قيادي في حزب المؤتمر
*نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس