بقلم / عبدالمجيد حــــاتم
في مثل هذا اليوم وطئت قدمي مبنى حكومي عتيق، أنيق يحتضنه الياجور من خارجه ، وكبيوت صنعاء القديمة داخله، ومصممة مكاتبه، وطئته حاملاً بيدي ورقة إنتقالي بل عبوري لردهاته،بينما آلة الحرب وعاهرينها يصبون وابل غضبهم على مدينتنا الشامخة صنعاء بدعوى حرب الرده على العشاق المجوس.

عبرت درجات ذلك المبنى وقتلة الحرمين يذيقون الوطن ويلات الدمار والخراب والتنكيل،حتى وقفت وجهاً لوجه مع أشخاص سئلتهم عن المدير، ولفضولهم العفوي تطفلوا عنوة على محتوى مابيدي، وكحال كل يمني تدافعوا لمساعدتي بغية الحصول على مزيداً من التلصص حول موضوعي، فهمت لاحقاً انها حالة عصيبة صعقتهم بها شئون مالية على حين غفلة من الزمن، وحتى أنا صعقت بها ضمن قاعدة مساواة الظلم عدالة.

خابت توقعاتي بعدم وجوده على رأس عمله ،على غرار بعض مدراء العموم بمؤسساتنا الحكومية، وبإشارة منهم يممت وجهي تجاه نهاية الرواق، أستقبلني حينها مكتب عتيق أنيق بسيط يفرض عليك أن لاتهمل مظهرك في حضرته ، وجهاً لوجه وجدت المدير عبدالحليم يتربع على مكتبه، أستقبلني بإبتسامته الخلاقه التي لم تغيب عن محياه إلا خلال فقداننا للشهيد الهلال هلال رحمة الله تغشاة، لحظات وأغدق علي من كرم أخلاقه وتواضعه وأستقبلني كعادته التي خبرتها لاحقاً بأحاسيس مشحونة بالتطرف للعمل،لم نغادر الدوام حتى كلفني بعمل قدمته له منجزاً في اليوم التالي والذي تعرفت فيه على بقيه الزملاء وأبرزهم النائب للتخطيط رجل المهمات الصعبة والنائب الإداري الشهم ذو الأخلاق الرفيعة.

من يومها رحت أتفانى في إخلاصي للعمل تحت قيادته ونفذت الأعمال والمهام التي كلفت بإنجازها ولم أتكاسل لحظة،نعم فقد كان يوماً أستثنائياً بإنضمامي لطاقم القائد الإستثنائي الحليم كما وصفه الشهيد الهلال هلال،المرن، المتفهم لطباع الآخرين، تعامله غاية في الأناقة لا أبالغ أن وصفته في ذلك كهدية من كوكب لم يعثر عليه الفلكيون، يتمتع بسعة صدر فريدة، أصيل ينحدر من عائلة أصيلة مناضلة سبتمبرية ،سلطة اسمه تجبرك أن تسوي وضعية جلستك ،إحتراماً لطيبته التي يمجدها الجميع بمن فيهم خصومه.

كما أن أبجديات العمل أثبتت أنه قيادي حصيف، متزن، ينتهج السلام ويقدس المعرفة، رجل ذو أخلاق نضالية عالية، يستوطن حنايا القلب إحتراماً وتقديراً،نظراته تتسلق طوابق حزن الوطن يحلم بوطن مزدهرلاعلاقة له بالخرافات والمشعات الدينية التي أرهقت جيله وقضت على جزء منه،لديه رغبة جامحة في تغيير العقليات ليصلح من حامليها مواطنين للوطن الذي نستوطنه ويستوطن قلوبنا.

لايجيدالتصنع، ولايحترف المجاملة، الشهامة والنضال والمثابرة أبرز سماته،لم يتكاسل عن عمله طيلة الأيام التي عملنا فيها معاً وسويا،ولم يلتفت لإغرائات مفتتي مؤسسات الدولة الجدد بالمناصب الحلوب التي يوزعونها بتقسيم مدروس للوليمة بل ولم يعير أي أهتمام، فالدم اليمني يستيقظ في عروقه والثورية السبتمبرية لوالده المرحوم عبدالكريم تتجسد في شخصيته التي لاتكل ولاتمل ولاتمن في خدمة الوطن بل ولاتطمع في ولائم اللئام ولاتأكل الخبز الملوث.

نعم ظل الحليم ولايزال محافظاً على نبرته الطبيعية للعمل، وعلى قيم الإخوة والتعايش، وعلى سيمفونية الود،وعلى فائض الوطنيه التي جعلته يصر على تنفيذ معظم الأعمال في أحلك الظروف بل وكلاً منا دفع من حسابه الشخصي،لإكمال تلك الأعمال.

نعم قضينا الوقت معاً وسط هزات نفسية، وسط دموع المكابرة على وطن يعبث به الإخوة الأعداء قبل الأشقاء الأعداء، وسط جهد عمل مضني لاتستطيع فيه توفير كافة متطلبات إسرتك وبالرغم من تلك الوعكات المالية التي عانيناها بسبب العدوان أو بسبب الجهات المختصة، لم نتخلى عن مسئولياتنا ولم نتنازل عن مبادئنا بالرغم من أننا جعنا بسببها.

لكن ما يتوجب علي قوله، بالرغم من الابتسامات التي تجاهلت أحزاننا أحياناً، ونظرة الحياد فيما يخص الحقوق والإختصاص، وعشوائية إستغفال الإنجاز وأركانه، وإستبدال وفاء الإكتفاء بوفاء الإستكفاء، وكينونة المظاهر والبدائل الزائفه، وتجيير التصرفات والمواقف والأراء، والخيبات الغيرمتوقعة،فقد اكتفيت بإبتسامةً مكابرةً وفضلت أن أمارس أثم تواطؤ الصمت وكبرياءه، على إضرام النار في مستودعات تطفلات الاخرين وحقوقهم المشروعه و المشبوهه.


سيظل أستاذي عبدالحليم السكري هو القيادي المناضل ،الوطني الذي لم يتخلى عن مسئوليته الوطنية في أحلك الظروف التي مرت بها أمانة العاصمة تحت قيادة الأمين الشهيد ورفيقه الأمين الأمين، تشرفت بالعمل معه، و أفتخر به رفيق درب تقاسمنا مع بعض ضنى الأعمال ومشقتها ونجاحها، ومع الوطن كبرياءه وشموخه، وحتى إن شاءت الأقدار أن لا نعمل معاً، فلن يأفل ودنا ماحييت.

حول الموقع

سام برس