جمال الظاهري
تظل العملية التعليمية وما تعانيه إشكالية بحجم الوطن لا تستثنى منها منطقة أو محافظة أو حتى مدرسة، ومع بداية كل عام دراسي جديد تتجدد الأوجاع ويتردد صدى التناهيد المحملة بحسرة الضياع على ما فات من أعمار الشباب وجهدهم وسهرهم الذي لم يؤت ثماره على واقعهم الفردي أو المجتمعي.
هذه النظرة غير المتفائلة ليست وليدة مزاج أو حالة نفسية أو إحباط شخصي لكاتب هذه السطور .. بل هو الواقع الذي يعلن عن نفسه في ضحالة الثقافة العامة لدى المعلم، طبعاً هناك معلمون يستحقون أن يحملوا هذه الصفة غير أنهم قلة لا يعتد بها ولا تستطيع أن تترك بصمتها على الواقع التعليمي.
هذا المعلم نستطيع أن نحمله جزءاً من المسؤولية، إلا أن هناك مسؤوليات أكبر يتحملها صناع القرار التربوي الذين استسلموا لطغيان العمل السياسي (الحزبي) الذي أفقدهم الروح التربوية في الذي يعول عليه في الارتقاء بالأداء التعليمي.
ولأن التعليم تربية للنشء قبل تلقين المعارف العلمية فإن غيابه جر الجانب المعرفي إلى الغياب عن المواكبة للمعارف والعلوم التي تستبح عقولاً يمكن التعويل عليها في إحداث نهضة وتطور في المجتمع.
الافتقار إلى أدوات التعليم التطبيقية في المدارس وغياب النشاط الطلابي عن الواقع المجتمعي عزل الطالب عن المشاركة المجتمعية التي من خلال مساهمته فيها تدله على ما ينقص أو يفتقر إليه مجتمعة.
غياب التطبيق للمعارف العلمية وانعدام المعامل والورش التي يستطيع من خلالها الطالب التطبيق للعلوم التي يلقنها له المدرس يفقد الطالب الشغف ويحد من قدراته التخيلية التي تقوده إلى التجربة وحب الاكتشاف ما يجعله متواكلاً على ما يقدمه المدرس.
غياب الجانب التنشيطي لقدرات العاملين في المجال التعليمي أكانوا مدرسين أو إداريين جعل منهم نسخاً متكررة لأعوامهم السابقة .. بل إنهم وكلما مرّ عام جديد يفقدون مما كانوا يتمتعون به بسبب التكرار الذي لم يُجدد فيه لا في الوسائل التعليمية ولا في العلوم والمعارف التي يرفد ويؤهل بها نظراؤهم من المعلمين في البلدان الأخرى.
كنا في أعوام سابقة نعاني ونصرخ من نقص الكادر التعليمي أو من غيابه أو من تأخر الكتاب أو من اكتضاض قاعات الدراسة التي لم يوجد لها حلول أو معالجات، وها نحن اليوم نكرر الشكوى ولكن بإضافة ملحقات جديدة للمشاكل (سنبل) الأعوام اللاحقة.
لا أدري لماذا أجد نفسي أكرر الكثير مما قلته في أعوام سابقة رغم علمي أو تسليمي بأن الضرب في جسد الميت حرام .. ربما لأني أتوجع كوني أرى أبنائي كل صباح وقد حملوا دفاترهم وأقلامهم واستنفروا والدتهم من (البكور) كي تعدهم للمغادرة إلى مدارسهم، وربما لأني أرى علامات الحسرة والكثير من الأسئلة التي ترتسم على وجوه الآباء كلما شاهدوا مجاميع الطلاب وهي ذاهبة أو عائدة من مدارسها .. ربما؟!

حول الموقع

سام برس