جميل مفرح
من مبعث إنصاف واعتراف وشكر كم أود أن أقول للأستاذ إبراهيم المعلمي مدير التحرير السابق لصحيفة الثورة والذي جرى في وقت سابق هيكلته من قبل قوات الاجتياح الغاشم للبشرية:
كم كنت كبيرا وصبورا وقنوعا وزميلا حقيقيا وستظل كذلك في قلوب كل من عرفوك وزاملوك ومن اختلفوا معك أيضا.. الجميع يذكرونك بالمودة والإعجاب والذكر الطيب.. لقد كافأك من يدعون الإنصاف ويتلبسون ثياب الدعة والمهنية لقاء صبرك ومهنيتك وعزوفك عن ملذات المناصب وموالاة المتسيسين والمتحزبين مكافأة المنتقمين وجازوك جزاء السوء.. فقط لأنك لم تكن ولم تستطع أن تكون سيئا.. وبالرغم من ذلك قابلت الإساءة والتعجرف بوجهك السموح وابتسامتك المتفائلة، وكأنهم إنما كانوا يمنحونك درع الوفاء ويخلعون عليك جائزة الصبر والإتقان!!
لا تبتئس أيها الصديق الطيب.. سنظل نتذكرك وستظل ذكرى فبراير معشبة بك وبكرم زمالتك الذي لا يمكن قضاؤه منا مهما فعلنا..
***
لا تحزن أيها الأكبر من الوفاء فأنت الباقي اللابد في الذكر الطيب.. ولا يحزنك ما يفعل المنتقمون فإنما عبروا عن أنفسهم وشخصوا علاتهم بالتخلص من ودك ومهنيتك ووفائك لوظيفتك ولوطنك ولزملائك وأصدقائك.. إنهم يحسدونك على كل ذلك وأكثر.. لذا أرادوا ألا تظل أمام وجوههم المكفهرة غيظا وحقدا وأنانية لا حدود لها.. لا تبتئس أنت الأكبر والأجدر والأكثر وفاء وإنسانية ومهنية.. وستظل كذلك لأنك أردت لنفسك أن تكون كذلك وسطرت بمواقفك وأخلاقك ووطنيتك ما لم ولن يستطيعوا ما تقبلتهم الحياة.. لقد كشف النهار ما أبطن الليل وقد بدا الفاتحون على بلور الحقيقة، لقد كانوا وما يزالون وسيظلون فوارس من هلام، سيوفهم من ورق البنكنوت ودسائس المؤامرة.. خيولهم جلود ثعالب معبأة بخرائط التآمر وتعاويذ المحبين عن كره والكارهين للمودة والصدق والوفاء..
***
لقد جاد الزمن، والزمن متقن، علينا بالتبيان ووطأ بقدميه كل ذرة شك كانت تتقن المساورة.. فكشف لنا عن بشر يشبهون البشر ورجال تتشبه بالرجال وكائنات لم تستطع أن تكون من هؤلاء ولا من أولئك.. كائنات رضيت أن تتحول إلى مسجلات صوت فارغة إلا من النميمة والانتقاص والأكل بأفواه تصلح لأن تكون فروجا.. وعينات رضيت وترضى أن تكون مقاعد تركن إليها المؤخرات.. وأخرى تجيد قرع الطبول، كل الطبول، تارة للحب وتارات للحرب لتلتقط لقيماتها المتسخة من بين بقايا الدم والرفث.. وصنوف لا تستطيع أن تكون إلا آلات دمار للإنسانية والمودة والنقاء والصفاء.. تتحول في طرفة رمش من لحم ودم إلى عجلات شاحنات سريعة الدهس أو منجنيقات تستخدم في الفتوحات الأسطورية التي يأكل جل كذبها ما ندر من صدقها..
***
ابتسم أيها الصديق العظيم لأنك رحلت ولم تستطع الظروف رغم جبروتها أن تجعل منك سواك ذلك الإنسان البسيط الودود الصدوق القنوع..
يبدو أنني لم أستطع ولن أستطيع التوقف عن مناجاة قلبك الكبير الذي اتسع يوما بل عمرا لنا.. لحبنا ومشاريع كراهيتنا، لابتساماتنا وغضبنا، لحسناتنا ولزلاتنا..
دم كبيرا أيها الكبير.. فالصغار لا يمكن أن يتطاول بهم بنيانهم مزيدا، لأنهم يهدمون فيه أكثر مما يبنون إنهم وربي زائلون...، وأنت باق وإن كره الكارهون.

حول الموقع

سام برس