بقلم / أحمد الشاوش
مثل حي وخير شاهد يذكرنا بالسيناريو البشع والنهاية المأساوية للصقور العربية التي تحولت في ليلة وضحاها الى أضعف من خيوط العنكبوت في مواجهة " غربان " السياسة ، منذ غزو الكويت واحتلال العراق وانفجار الربيع العربي المسموم وفرار بن علي وتنحى مبارك والتمثيل بجثة القذافي واغتيال صالح وصمود " الأسد" ونجاة مصر وتجاوز لبنان والأردن والمغرب وسلطنة عمان مرحلة الخطر.

كان صالح صقراً في اليمن ومبارك في مصر وبن علي في تونس والقذافي في ليبيا وصدام في العراق يملكون كاريزما نادرة وذاكرة قوية وشعبية أكبر وخبرات عسكرية وحنكة سياسية في إدارة شؤون بلدانهم ومعرفة نفسيات شعوبهم وحققوا الكثير من المشاريع والإنجازات ونوع من المساوة والامن والاستقرار ورغم السلبيات والايجابيات إلا انهم كإنو رجال " دولة "يرقصون مع الثعابين ويدركون الاعيب وتشكيك الاحزاب وتآمر القوى الدولية.

أختلط الحابل بالنابل في اليمن والعالم العربي حتى صار الجميع حكاماً ومحكومين مسجل خطر في بلدانهم وكل مطارات وموانئ العالم بتحول القصور الرئاسية الى اطلال ومؤسسات العرب الى انقاض والمواطنين الى أشباح من شدة الفقر والبطالة والخوف والقتل والنزوح في غياب العقل والضمير والعدالة الاجتماعية والقيم النبيلة ، والافراط في التبعية والثقافة المتوارثة!!؟

ورغم الثروة والسلطة التي احتكرها أولئك الرموز ، والجيوش الجبارة والأسلحة المكدسة وصناعة الازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وغض الطرف عن لأفكار الضالة ومضايقة التوجهات التقدمية والليبرالية وتحويل النُخب الى " أراجيز" والأحزاب الى دكاكين ووجود هامش من الفساد والافساد وتهريب المليارات في بنوك سويسرا وامريكا وأوروبا واحتكار العقارات والشركات والتوكيلات ، وبنادق العشيرة وسيوف القبيلة ، إلا ان " تلك الصقور" سقطت بصورة مدوية وانتهت صلاحياتها بعد ان حكمت وتحكمت وأرقت وأغرقت الشعوب بمشاكل مفتعلة ودعم بعضها القيادات الساقطة على مستوى السلطة والمعارضة التي لا تؤمن بدولة المؤسسات ولا كرامة الانسان وقيم الحرية والديمقراطية والحوار والتعايش بعد ان جعلت المواطن آخر اهتماماتها وأقرت مبدأ انا ومن بعدي "الطوفان".

ورغم ذلك السقوط المريع إلا ان شاهد الحال يؤكد ان أولئك " الصقور" كانوا أكثر حياء وخجلاً ،وعقلاً وحكمة ، ورحمة وتعايشاً ، خدمة لشعوبهم مقارنة بطغاة عصر الثورات المشبوهة الذين جاءوا على متن الدبابات الامريكية والأموال الخليجية بينما كان بعضهم في حقيقة الامر يمثل الوجه الاخر للسلطة والعكاز التي ترتكز عليها ديكتاتورية تلك الأنظمة بالفتوى والنفاق والسكوت والتفنن في صناعة الكذب والاسهاب في عناوين العدالة والمساواة والحرية ليصطدم المواطن العربي أن تلك الشعارات أكثر زيفاً والنُخب أكثر تبعية وديكتاتورية على مستوى احزابها التي أغوت شباب الامة ومارست الابتزاز السياسي والفجور الديني .

ومن سخريات القدر ان عواطفنا نحن اليمنيون تسبق عقولنا ، وحماقتنا تؤثر على اتزاننا، وانفعالاتنا تطغى على حكمتنا ، وقلوبنا تذوب مع أول ايقاع نفسي وزامل حماسي وكلمة مجاملة حتى لو كانت مصيدة ، كما ان الشواهد كثيرة التي تجعل الكثير من اليمنيين أشبه بحالة الطقس المتقلب المزاج ، منذ ان عبد اجدادنا الشمس واعتنقوا اليهودية وهرولوا الى المسيحية وقفزوا الى الإسلام ، واستعانوا بالفرس لطرد الاحباش وطردوهم جميعاً وساعدوا الانجليز واجبروهم على الجلاء وحاربوا مع الاتراك وضد الاتراك وهزموهم ، حتى آمن الاتراك وغيرهم بإن اليمن مقبرة الغزاة ، وخرج المصريون من المستنقع اليمني رغم دعمهم للشعب اليمني وثورة 26 سبتمبر عام 1962م بعد ان قدموا الكثير من التضحيات.

ولذلك فإن على "السعودية والامارات وايران وقطر وامريكا "وغيرها من الدول المتورطة في اليمن ، ان تعي أيضاً انها ستشرب من نفس الكأس وستمر بنفس السيناريوهات السابقة لفترة بقاء محدودة تخسر من الرجال والأموال والسمعة الكثير ثم تنتهي صلاحية الغزو تحت أي مظلة شرعية اوغير شرعية وتنتقل العدوى الى بلدانها ، وأن تدرك ان انخراط بعض اليمنيين في الحروب مع زيد اوعمر هو تجسيد للثأر ولقمة العيش بعد ان أفقرته السياسات والصراعات الدموية، في حين معظم اليمنيين يرفضون كل محتل وتاجر حرب حتى النخاع ، وانه على تلك الدول ان تصفي حساباتها خارج اليمن او على الاقل تنهي العداء وتبدأ صفحة جديدة للتعايش.

ولم يتوقف هوس اليمنيين وثقافاتهم المتنوعة عند تلك الديانات والمذاهب الدينية والسياسية والعادات والتقاليد الاجتماعية ، من زيدية وشافعية ومعتزلة وحنبلية ومكارمة واثني عشرية وحاشد وبكيل وغيرها بل تبنوا الشيوعية والماركسية والاشتراكية والناصرية والبعث والوهابية والسلفية والاخوانية والقاعدة وداعش والمؤتمر والحوثية لغياب المشروع الثقافي والوطني الصادق والمثمر ، ولهذا يدفع اليمنيون كل فترة ضريبة فادحة وتضحيات كبيرة من القتلى والشهداء والجرحى والمخطوفين والمعتقلين والمطاردين والمعذبين والمشردين والنازحين والفقر المدقع الذي حول حياة أكثر من 27 مليون الى الجحيم ، ورغم تلك الخسائر الفادحة والنكبات لم يتعلم الجميع من الدروس أن ترسيخ ثقافة " الولاء " الاسري والديني والشخصي والقبلي والإقليمي والدولي للاستمرار في الحكم يقود الى تجزأه الوطن وتمزيق النسيج الاجتماعي وظهور الجماعات الفاسدة لاسقاط الأنظمة وتدمير الجيوش وتخريب البلدان تحقيقا لمشاريع خارجية مشبوهة ومصالح شخصية ضيقة جعلت "الصقور" صيداً لـ "غربان" السياسة والوطن والمواطن سلعة لتجار الحروب والذئاب البشرية ، رغم أن اصلاح الأنظمة بحاجة الى رجال مخلصين ونوايا صادقة وارادة حرة لتفعيل مؤسسات الدولة وليس لثوار ناقمين وقضاه جائرين وسياسيين فاسدين تقدموا ساحات التغيير لركوب الموجة وقتلوا أحلام وطموح وآمال الشباب الذين أرادوا دولة مدنية تحميهم من عبث الفاسدين.

أخيراً .. بعد كل هذا الدمار والدماء والحرائق والتبعية ، أما آن لليمنيين أن يحتكموا الى لغة العقل والمنطق وأن يجنحوا للسلام ، وأن تضع الحرب اوزارها ، ولثقافة التسلط والاستبداد والطغيان ان تزول لتقوم على انقاضها دولة المؤسسات التي يستظل تحتها جميع اليمنيين دون استثناء، بدلاً من المشانق والثارات والمعتقلات والمزايدات والتخوين والترهيب.. فهل من رجل رشيد .. أملنا كبير.
Shawish22@gmail.com

حول الموقع

سام برس