أحمد الشاوش
الكارثة أن معظم قيادات الأنظمة العربية - غنيها وفقيرها- صقورها- وحمائمها- أنها ما زالت تسيطر عليها فكرة الولاء، وتؤمن بمبدأ الولاء الذي تحله بديلاً عن الكفاءة والتخصص وشرط النزاهة مما أفسد الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية وتجسدت هذه الفكرة المشئومة نتيجة الإرث التاريخي المتراكم الذي بدوره أعاق الطريق نحو بناء دولة المؤسسات مما ولد النقمة لدى الكثير من الشعوب العربية وعدم الرضا بسياسة الأمر الواقع «الثقافة الموروثة» التي كانت البداية الحقيقية لتقويض تلك الأنظمة والبلدان وعدم استقرارها، وما تزال الشعوب العربية تعول كثيراً على التنظيمات السياسية بكل أطيافها ورؤاها كونها دولة «الظل» الذي تراقب أداء الحاكم ونظامه وترده إلى صوابه ولكن للأسف الشديد لقد أخطأ الكثير من قيادات العمل السياسي نظراً لتهورها وتعطشها للسلطة فهرولت في نفس الاتجاه الذي أخطأت فيه الكثير من القيادات والزعامات العربية حاملة نفس الموروث الثقافي السيء وكأن الجميع رضع من ثدي واحد وبدون فرامل حيث سارع الكثير من قيادات التنظيمات السياسية وكوادرها إلى اتباع نفس النهج المعيب «ثقافة الولاء» رغم تغنيها بالحرية ورفع اليافطات الديمقراطية التي تزين بها مبانيها وتجوب بها مظاهراتها أو أثناء اجتماعاتها ولكنها في حقيقة الأمر لا تؤمن بها أو تمارسها داخل تنظيماتها وإنما تتجه نحو المصالح الضيقة وتقريب المقرب وإقصاء البعيد مهما كان على قدر كبير من العلم والكفاءة ووفق نغمات من شأنها الإضرار بالوحدة الوطنية، وتجزئة البلاد ولم تستفد تلك القيادات من الأخطاء الجسيمة التي ترتبت على مبدأ الولاء من انهيار في القيم وتصدع في البنية التحتية والنسيج الاجتماعي وفساد مراكز القوى وإعاقة برامج التنمية وتدمير الاقتصاد الوطني بجهل وبصورة منظمة أحياناً مما أضعف الأمن القوي العربي نتيجة لعدم ثقة الأنظمة العربية وحكامها في الآخرين وعدم ثقة التنظيمات السياسية في تلك الأنظمة وحكامها مما أدى إلى الكارثة.
فلو حكمت الأحزاب العقل وأخذت العبر من تجارب الآخرين كالأورويين والأمريكيين وغيرهم ووضعت الحكمة والمنطق في الكثير من المسائل المصيرية وقرأتها بتأن وفندت ومنذه الأخطاء وكشفتها للشعوب بعيداً عن العنف وروح الانقسام والتشهير والمزايدة لنالت رضا وثقة الشعوب العربية وكانت هي الأفضل الأقدر ووصلت إلى السلطة أو القصور الرئاسية الطامحة إليها محمولة على الأكتاف لكنها للأسف الشديد مثلت الجانب أو البديل الأسوأ بانتهاجها الفجور والفوضى والتحريض والديكتاتورية على مستوى الحزب الواحد وإثارة القروية والمناطقية حتى فشلت في أداء رسالتها فصارت إما أحزاباً تابعة للأنظمة وتسبح بحمدها ليلاً ونهاراً وإما تنظيمات تراهن على الأجنبي أو ناقمة على السلطات تنهش في عرضها على مدار الساعة وخير دليل أزمة الربيع العربي الدامي التي بينت مدى الاحتقان والحقد والفجور والرعب بين الأنظمة الحاكمة والطيف السياسي المعارض في الوطن العربي لعدم الثقة وثقافة الولاء وحب الاستحواذ على السلطة وتدمير كل ما هو جميل تحت ذريعة البطالة والظلم والفساد والتي لو صدقت النوايا لتغلبنا على هذه المشاكل ولكن للأسف سالت دماء الأبرياء وهدمت بيوت وصوامع وقطعت الأرزاق فتوقفت الحياة.
ولو أننا صدقنا النوايا وزرعنا الثقة حكاماً ومحكومين - أحزاباً وقيادات واستفدنا من تجارب الآخرين ونشدنا دولة المؤسسات كثقافة التي فيها أمننا واستقرارنا وفعلنا العقل والحكمة بعيداً عن الأخطاء والجنون الثوري لما وصلت الأمة العربية إلى ما وصلت إليه من أطلال وأحزان تستدعي الشفقة ! فهل نترك ثقافة الولاء جميعاً وننهض إلى بناء دولة المؤسسات؟ أملنا كبير إن شاء الله..

shawish22@Gmail.com

حول الموقع

سام برس