بقلم/ فكرية شحرة
تمرد على عاھته وعجزه؛ تمرد على وضعه وقیده؛ كما تمرد على الجبروت وانحاز إلى الحق كمبصر بعین الحقیقة .

تخلده كلماته في ذاكرة التاریخ؛ وذلك الأثر المنبھر لوقعھا على مسامع من یعرف حیاة البردوني .

فإذا لم تخلد ذاكرة الیمن في جانبھا الثقافي والأدبي عبقریة البردوني فماذا تخلد إذا ؟
إنه الأعمى الذي رأى الطبیعة بعیون القلب فكان سحرھا علیه دافعا للإبداع وعدھا كناقد
من محفزات إبداع الشعراء والأدباء كلا یراھا بعین مختلفة .

البردوني الناقد الذي أثار زوابعا في حیاته بآرائه والذي أثار الدھشة بعد مماته بتنبؤاته
السیاسیة واستشرافھ للقادم من واقع الحاضر ومسبباته.

یكمن الاعجاز والنبوغ في حیاة وشخصیة البردوني في كونه إنسان یمني بسیط تحكمه أسوأ الظروف وأسوأ مراحل التاریخ الیمني .

فعلى الصعید الشخصي البردوني رجلا فقد بصره في سن العاشرة یعیش في أحلك حقب الحكم في الیمن حیث الجھل ھو المتاح للمبصرین فكیف بأعمى .

لكنه اكتسب كل ھذا الاطلاع والثقافة الموسوعیة في بیئة متواضعة بقوة الإرادة والصبر والتحمل لمشاق لن یشعر بھا إلا من عایشھا ..

أن یصبح البردوني ھو البردوني الذي نعرف ھنا ھو اعجاز الإرادة رغم الظروف القاھرة .

إنھا رغبة الوصول إلى المستحیل فكان أن تطوعت لھ الظروف؛ ھو الذي صنع من السخریة سلاحا یشھره في وجه عجزه واحتیاجه للآخر في أبسط الأمور .

عرف شاعرا سیاسیا لا یوقف كلماتھ الخوف؛ ولا تطوعه المصالح؛ وترك رصیدا من المؤلفات ستظل منارات في الشعر والنقد الأدبي والتاریخ الیمني الذي یلھم العبر ویذلل السبل .

في كتابه "الیمن الجمھوري" الذي یعد ضمن الكتب المھمة التي بإمكانھا أن تشكل الوعي المجتمعي الثوري الیمني :أو لنفاد صبر فإنھا تبقى یرى البردوني أن الأمة التي تبقى تراوح أخطاءھا لجھل أو لتعام أمة طفلة على صنع التاریخ، بل ویصبح یومھا ھو أمسھا وربما یصبح غدھا أی ًضا رغم مرور الزمن! یوجه إلى تلك الأخطاء التي تقع فیھا الحماسة الثوریة لتكون عواقبھا وخیمة .

ومن تلك الأخطاء كما ورد في كتابه : (غیاب الرؤیة؛ التركیز على المشاكل الصغیرة على حساب الأكثر أھمیة، عدم إشراك الشعب في تقریر مصیرھم وتوقف ذلك على ثلة من المثقفین والسیاسیین الذین یحتكرون ذلك على أنفسھم، ثم یدخلون الشعب في صراعاتھم الفردیة، تشتت القوى وتضاربھا فالدولة لا تقوم لھا قائمة طالما بقیت شوكة الدولة في أكثر من ید؛ ید القبیلة وید الدولة! ویؤكد ( أن على أن الثورة أن تسیر في خطین متوازیین؛ حرب الحرب؛ القضاء على الظلم وإیجاد البدیل؛ وإن تم التركیز على أحدھما وأھمل الآخر لم تنجح الثورة في شيء).

ھذا البدیل الذي نطمح إلیه الآن یجب أن یتوفر في مناطق الیمن المحررة من ربق الحوثیةالأمامیة الجدیدة؛ ولن یكون ھذا البدیل سوى حضور قوي للدولة وتوفیر الأمان حتى یكون ھناك تنمیة ..فلا تنمیة بدون أمان كما قال البردوني .

حول الموقع

سام برس