بقلم/ عبدالباري عطوان
هل تمهد الامارات لانسحابها فعليا من التحالف السعودي بعد تأكيد انسحابها عسكريا من اليمن؟ وما هي الأسباب الستة التي تقف خلف انتصار تحالف “انصار الله” الحوثي في اليمن؟ وهل سيكون ضرب إسرائيل احد المفاجآت المقبلة؟

عندما يقول الدكتور عبد الخالق عبد الله، المستشار السابق للأمير محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، “ان الحرب في اليمن انتهت اماراتيا، ويبقى ان تتوقف رسميا” فإن هذا يعني ان الإعلان عن سحب الامارات لقواتها تحت عنوان “إعادة الانتشار”، خاصة من جبهة المواجهات في الحديدة، كان “استراتيجيا” ولم يكن “تكتيكيا”، ونتيجة توصل قيادتها الى قناعة راسخة بأنها لن تكسبها عسكريا، وليس امامها أي بديل آخر غير تقليص خسائرها وبأسرع وقت ممكن، والاعتراف بالخطأ.
لم يجانب السيد عبد الملك الحوثي، الزعيم الروحي لحركة “انصار الله” الحقيقة عندما قال في كلمته التي نقلتها قناة “المسيرة” “ان العدو يعيش حالة من التخبط والتفكيك يوما بعد يوم، وان اعلان دولة الامارات بإعادة انتشار قواتها هو احد الأدلة في هذا الصدد”.

ما لم يقله الدكتور عبد الله في تغريدته المذكورة آنفا، ان التحالف العربي الذي تقوده السعودية قد انتهى اماراتيا أيضا، وان حديث الدكتور انور قرقاش، وزير الدولة الاماراتي، قبل يومين بأن خطوة إعادة الانتشار للقوات الإماراتية في جبهة الحديدة تم بالتنسيق مع الشريك السعودي ليس له أي حظ من الصحة، ويصب في خانة “المجاملة” المضللة، ومحاولة لذر الرماد في العيون، أي عيون القيادة السعودية.

كان واضحا منذ زيارة الشيخ عبد الله بن زايد، وزير الخارجية الاماراتي الى موسكو الشهر الماضي، ان الامارات تبحث عن سلّم للنزول عن شجرة المأزق الذي تجد نفسها فيه بالانخراط في الحرب اليمنية، ولم تجد افضل من البوابة الروسية لفتح قنوات اتصال مزدوجة: الأولى مع حركة “انصار الله” الحوثية، والثانية مع القيادة الإيرانية التي لا تخفي دعمها للحركة.

الوفد الأمني الاماراتي الذي ذهب الى طهران تحت عنوان توقيع “مذكرة تفاهم” لحماية الحدود بين البلدين لم يكن وفدا “تقنيا”، وانما وفدا سياسيا بالدرجة الأولى برتب عسكرية، لكسر حاجز القطيعة بين الدولتين، والتمهيد للقاءات على اعلى المستويات لاحقا.
الحرب في اليمن تقترب بسرعة من نهايتها بالنظر الى الأسباب التي ارادت تحقيقها في بداياتها وفشلت، وابرزها إعادة “الشرعية” الى صنعاء، وتنصيب نظام يمني جديد يكون “دمية” في يد الرياض، وباتت هذه الحرب تتحول الى حرب عكسية مضادة ضد المملكة العربية السعودية وعمقها الترابي.

نشرح اكثر ونقول، ان حركة “انصار الله” الحوثية والتحالف الذي تقوده اصبح هو صاحب اليد العليا في هذه الازمة، وبات يملي وقائعها على الأرض، وانتقلت السعودية من موقع المهاجم الى موقع المدافع، واذا كانت لم تنجح في الهجوم الذي ارتد عليها سلبيا، وهز صورتها في العالم بعد اتهامها بجرائم حرب، فإننا لا نعتقد انها ستنجح في الدفاع بعد تنامي قوة الخصم الحوثي، وتطوير قدراته الهجومية، ووصول صواريخه الى الدمام، وشلّ حركة الملاحة الجوية في ثلاثة مطارات رئيسية سعودية في الجنوب (جازان، نجران، ابها).

ان تصل الصواريخ الحوثية الى مدينة الدمام، مقر شركة “أرامكو” المركز الأساسي لعصب الصناعة النفطية السعودية، فهذا يعني ان هذه الصناعة التي تشكل الركن الأساسي والاهم للاقتصاد السعودي، باتت غير آمنة، وان سبعة ملايين برميل من النفط هي مجموع الصادرات السعودية الآن، باتت مهددة فعلا.

القيادة الإماراتية تدرك هذه الحقائق، بل وما هو اخطر منها، ولهذا قررت الانسحاب من الحرب اليمنية والتحالف السعودي أيضا، واذا كانت قد “جاهرت” بالاولى، وتكتمت عن الثانية، فإن هذا التصرف هو من قبيل محاولة إبقاء شعرة معاوية مع الشريك السعودي، ولكنها مجرد شعرة معاوية، وقد تنقطع في الأيام القليلة المقبلة، في ظل الغضب السعودي المتفاقم تجاه هذه الخطوات الاماراتية المفاجئة والصادمة معا.

الحوثيون الذين كانوا يوصفون من قبل خصومهم بالتخلف، وسكان الكهوف في صعدة، اثبتوا دهاء سياسيا غير مسبوق، عندما تجنبوا أي هجوم على الامارات وركزوا كل هجمات صواريخهم وطائراتهم المسيرة والملغمة على العمق السعودي، ونجح هذا الدهاء، اتفقنا معهم او اختلفنا، في احداث الشرخ بين الحليفين الاماراتي والسعودي وتوسيعه بحيث بات يستعصي على الالتئام.

كلمة على درجة كبيرة من الأهمية وردت في خطاب النصيحة للسيد الحوثي الى الاماراتيين تلخص الأسباب الحقيقية للمراجعات الإماراتية الحالية في حرب اليمن، وهي “نصيحتي للإمارات ان تستبدل كلمة الانسحاب بإعادة الانتشار لقواتها، وان يكون هذا الانسحاب جديا وصادقا، لان هذا يصب في مصلحتها على المستوى الاقتصادي وكل المستويات الأخرى”.

المستوى “الاقتصادي” يعني ان الانسحاب الجدي سيحمي الاقتصاد الاماراتي من الصواريخ الحوثية، وعلينا ان نتصور هبوط هذه الصواريخ على ناطحات السحاب والمطارات في دبي وأبو ظبي، والنتائج الكارثية التي ستترتب على ذلك من بينها هروب الاستثمارات والمستثمرين ورؤوس أموالهم.

الحوثيون أقوياء لعدة أسباب غابت عن ذهن خصومهم، سواء داخل اليمن او في دول العدوان:

الأول: انهم يملكون القدرة على اتخاذ قرار الرد دون أي تردد.

الثاني: انهم يدافعون عن ارضهم وكرامتهم وعرضهم.

الثالث: انهم غير مدعومين من العرب ودول نفطهم فلم يدعم هؤلاء أي دولة او حركة الا وكانت الهزيمة مصيرها المحتوم.

الرابع: الوقوف في خندق فلسطين ومحور المقاومة للهيمنة الامريكية الإسرائيلية في وقت انحرف فيه الكثيرون من العرب نحو التطبيع والاحتماء بالعدو.

الخامس: الإدارة الذكية للازمة اليمنية، واتباع سياسة النفس الطويل، وكظم الغيظ، واختيار بنك للأهداف بعناية يضم اكثر من 400 هدف لم يضربوا الا اقل من عشرة منه حتى الآن.

السادس: عدم الكذب، وترك الأفعال هي التي تتحدث نيابة عنهم.
***
نختم هذه المقالة بنبوءة ربما تكون مفاجأة للكثيرين وموضوع استهجانهم، وهي اننا لا نستبعد ان تكون الوجهة القادمة للصواريخ الحوثية هي ميناء ايلات او “ام الرشراش” الفلسطيني المحتل، فمن يملك صواريخ مجنحة تصيب أهدافها بدقة في الرياض والدمام، لن يتورع عن قصف هذا الميناء “الإسرائيلي” وبث الرعب في نفوس المستوطنين الإسرائيليين.

ربما يجادل البعض بالقول ان الجيش الإسرائيلي سيرد بقصف صنعاء وصعدة ومدن أخرى، وهذا غير مستبعد، ولكن هذا القصف سيعطي نتائج عكسية، علاوة عن كونه لن يحقق أي جديد، فطيران التحالف السعودي الاماراتي الذي قصف اليمن طوال السنوات الخمس الماضية لم يبق أهدافا جديدة يمكن قصفها، ولم تنجح في تركيع اليمنيين.

القصف الحوثي للعمق الفلسطيني المحتل، والرد الإسرائيلي عليه، سيحول الحوثيين الى ابطال يتزعمون قوة إقليمية كبرى، يلتف حولها مئات الملايين من العرب والمسلمين.
هل ستتحقق هذه النبوءة، ومتى؟ نترك الإجابة للأسابيع والأشهر المقبلة.. والأيام بيننا.

نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس