بقلم/ فادي عيد وهيب
لم يكن هناك عقبة لتنفيذ المخطط الصهيوني المسمى إعلاميا بـ "صفقة القرن"، سوى الاردن ومصر.

فالاردن الهاشمي (الذى يمثل الفلسطينيون أكثر من نصف سكانه) رفض التخلي عن دوره التاريخي الذى يستمد منه شرعيته كواصي على المقدسات المسيحية والاسلامية بالقدس.

ومصر رفضت فكرة إستبدال توطين اهل غزة في سيناء، وهو اصلا أمر مرفوض من شعبنا الفلسطيني بغزة نفسه، بعد مناورة ومماطلة طويلة مع اليهود، لكسب الوقت والوقوف على قدم ثابتة قبل مجيئ "ساعة المواجهة المباشرة".

ولكن الان وبعد فشل ترامب في الملفات الحاسمة امام كوريا الشمالية وطالبان وايران، في ظل غموض مستقبل نتنياهو بعد إنتخابات الكنيست التى ستنقل دفة قيادة الدولة من الموساد للشاباك، لم يعد لدى ترامب فرص أمام اليهود للفوز بالرئاسة القادمة سوى تنفيذ صفقة القرن (تصفية فلسطين)، وسيردد أسم "صفقة القرن" قريبا بقوة بالفترة القادمة، مستغلون ما يحدث بالادرن ومصر إقتصاديا، خاصة وأن ترامب لن يقدم لهم شئ من جيبه الخاص، بل من ما تحصل عليه من الخليج مؤخرا.

وبالنظر لكلا الاوضاع الداخلية لكلا من المملكة الاردنية وجمهورية مصر، نرى الوضع بات شبه متطابق (لنا حلقة في 2017 شرحنا فيها بالتفاصيل ذلك وقلنا كل ما يحدث الان)

فبكلا البلدين إضطرابات وغليان يزداد في الشارع بنيران من الداخل والخارج.

وبكلا البلدين تشتعل موجه لحركة فوضى بشكل لم نعتاد مثله في البوم صور ربيع ثورات 2011، فالمدعو مضر زهران يقود ما يسمى بالمعارضة الاردنية من تل أبيب، وباسبانيا يقود الموجة فى مصر شخص غير مألوف للعامة، معلوم جيدا لمؤسسة الجيش المصري، مصرحا بكلام كالسهوم المسمومة لضرب قلب الدولة المصرية مباشرة.

وكلا البلدين تأخر فى حسم معارك (سواء بارادته او غير إرادته) باتت الان محل تهديد مباشر للامن القومي، ولنا في سد النهضة عبرة (وهو اسرائيلي بإمتياز ايضا).

ولذلك جائت القمة الثلاثية المصرية الاردنية العراقية بنيويورك على هامش اجتماعات الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة سياسية في المقام الاول (القدس) وليس اقتصادية فقط (مشاريع انابيب الغاز) كالمرات السابقة.

أخيرا أود أن اقول لكم إن ساعة المواجهة المباشرة التى ذكرتها فى الاعلى قد جائت، فهل كلا منا مستعد، وهل الاوراق السياسية التى بيد الاردن ومصر مازالت حية وذات فعالية للاستمرار في المناورة ؟

ففي حال سقوط الاردن فى فوضى سينتهي امر الضفة الغربية تماما، وفي حال تعرض مصر لهزة عنيفة، ستعود ليبيا للمربع صفر أو بالادق لمربع المستعمر القديم العثماني والحديث الطلياني معا، وستكون السودان في وضع أمني صعب جدا.

فنحن نعيش اليوم سيناريو قد يبدو مشابها بدرجة كبيرة جدا، لم حدث منذ قرن تقريبا مع أخر آخر السلاطين العُثمانيّين عبد الحميد الثاني في كيفية إفلاسه وزيادة دين وفقر بلاده تمهيدا لتنازله عن القدس لليهود، كي يكون ذلك الامر الخطوة الاولى لظهور دولة الاحتلال.
فهل ما نعيشه اليوم يظهر لنا اسرائيل بجغرافية جديدة ؟

فبعد أن أوهم الغرب واليهود العثماني بإمكانية تثبيتهم له على العرش، أكتشف العثماني أنهم وضعوا على خازوق من خوازيق اسلافه السلاجقة والسلاطين العثمانيين، في لحظة لم ينفعه أي مال بعد أن زال عرشه نفسه قبل أن تسلب القدس.

وهنا يحضرني أهم ما ورد فى وصية السلطان عبد الحميد الثانى والتى كتبها خلال نفيه في مدينة سالونيك اليونانية، وهو يقول على لسانه:

"بعد إجتماعاتى المتكررة مع تيودور هرتزل (مؤسس الكيان الصهيونى)؛ أكد لى هرتزل أنه سوف يحصل على فلسطين عاجلا أم آجلاً مهما بعد هذا الأجل، بعد أن رفضت رفضا قاطعا على الرغم من تمنيات مستشارى القبول بذلك العرض من أجل تغطية عجز الدولة العثمانية، وفهمت من هرتزل أن بعد حصوله على فلسطين سوف يسعى للانتقام من العراق بسبب السبى البابلى الذى قام به نبوخذ نصر بسبى اليهود سيرا على الأقدام من فلسطين إلى بغداد، بعد أن دمر نبوخذ نصر مملكتهم بسبب مؤامراتهم الدائمة عليه، وفهمت أيضا من هرتزل انه سوف يسعى إلى تدمير مصر انتقاما من الفراعنة، وسوف يسعى إلى تدمير الأهرام لأنها تشكل رمز الاستبداد الفرعونى بحق اليهود."

الباحث والمحلل السياسي بشؤون الشرق الاوسط وشمال افريقيا
fady.world86@gmail.com

حول الموقع

سام برس