بقلم/ طه العامري

اشك بجدية صفقة ترامب فالولايات المتحدة دولة عظمى تدرك جيدا أن الشعب العربي في فلسطين خاصة والشعب العربي عامة لا يمكنهم قبول مشروع القرن لو انقلبت خارطة العالم رأسا على عقب ، ولدى أمريكا مؤسسات بحثية واستخبارية تعرف حقائق الواقع الفلسطيني والعربي والإسلامي والدولي وتدرك جيدا مزاج الشارع في كل هذه النطاقات الجغرافية وبالتالي ورغم خطاب الانحطاط المتغطرس لترامب إلا أنه من غير الممكن أن تصل واشنطن إلى هذا المستوى من الطرح في قضية لم يعد هناك مساحة قابلة للتفريط لدى أصحابها الذين تبقى الشرعية الدولية هي الملاذ الأخير لهم ، إذا ماذا تريد واشنطن من صفقة ترامب ؟!

سئوال يفترض التوقف أمامه على ضوء كل ما يحدث في خارطة المنطقة والعالم ، حيث ترتبط الإجابة على السؤال بما يحدث على خارطتي الوطن العربي والعالم ، وهي التداعيات التي دفعت بواشنطن إلى الاجهار برويتها الاستفزازية بحثا عن الممكن الذي به تعيد واشنطن مكانتها على الخارطة الدولية ، لذا جاءت الصفقة على قاعدة _ ادعي له بالموت يرضى بالحمى _ وهذا ما أراده ترامب وتريده واشنطن في ضل الصراع الدولي والإقليمي اللذان يفرضان نفسهما على واشنطن وعلى دورها الاستراتيجي الاني والمستقبلي ..

في خطابه أمام وزراء الخارجية العرب في مقر الجامعة العربية بالقاهرة أسقط الرئيس محمود عباس اخر اوراق التوت التي كانت تستر عورات الوسيط الأمريكي وأعلن صراحة قطع علاقة السلطة بأمريكا وحكومة الاحتلال بما في التنسيق الأمني وهذا اكثر ما يزعج الكيان وامريكا التنسيق الأمني ، ناهيكم عن ما سرده ابو مازن من مواقف تفضح دور واشنطن ، التي تدرك أن مشروعها سيقابل بالرفض وسيعمل على توحيد المواقف العربية وسيعيد القضية الفلسطينية شعبيا ورسميا إلى دائرة الصدارة ، فهل هذا ما كانت تريده واشنطن التي جعلت من مشروعها جزءا من فلسفة ( الصدمة والرعب ) لتحريك مسار القضية وتحقيق فكرة الدولة الفلسطينية بحدود العام 1967م ولكن كدولة منزوعة السلاح ..؟!

أن صفقة واشنطن لم تأتي اعتباطا ولكنها جاءت وفق خيارات مدروسة يدرك صناع القرار في واشنطن المدى الذي ستصل إليه صفقة رئيسهم الذي حسب الرئيس عباس لا يعلم ترامب نفسه بتفاصيلها بل هي من صنع سفير واشنطن في حكومة الاحتلال ( فيلتمان ) وصهره ( كوشنر) ورئيس حكومة الاحتلال ( نتنياهو )؟!
إذا الصفقة تختبر صبر الشعب العربي الفلسطيني والشعب العربي ، تهدف إلى تحريك عملية السلام في المنطقة وهي العملية التي ستعيد واشنطن للواجهة الدولية وضرب خطوط التواصل مع موسكو وبكين ، أيضا تهدف واشنطن الا إعادة حضورها للمنطقة من خلال توظيف القضية الفلسطينية وسحبها إلى مربع بعيدا عن محور المقاومة وخاصة روسيا وإيران ، عبر مفاوضات يقبل بموجبها الفلسطينيون بدولة على حدود العام 1967 م لكن منزوعة السلاح من خلال اتفاق يؤدي لضمان أمن الكيان ويقطع خطوط التواصل السورية _ الايرانية ودفع روسيا والصين كشهود على اتفاق تظهر فيه واشنطن كعنوان للمصداقية والكيان عنوان للتضحية والتنازل المرير ، فآمن الكيان هو شغل واشنطن بعد انتصار سورية وصمود إيران والمقاومة وصعود نجمي روسيا والصين وتوسع نفوذهما على خارطة العالم ..


لا اعرف أن كان هناك من يستوعب طرحي لكن على العموم مطلوب اليقظة الكاملة من العرب وخاصة شعبنا العربي الفلسطيني فالصفقة لا تعكس رؤية واشنطن بل رؤية نتنياهو الذي يدرك استحالة تطبيق محتوى الصفقة لكنه يعرف انها تفتح مجالا لتفاوض سيؤدي لتحقيق سلام تنشده الحكومة الصهيونية وتسعى إليه قبل أن ينفض غبار أزمة الواقع العربي وتداعياته وخاصة سورية التي يمثل انتصارها حالة قلق مزدوج للكيان الصهيوني ..

ليبقى السؤال هو إلى أين ستقودنا صفقة القرن ؟ وكيف ؟!! إذ وبرغم رفض الصفقة فلسطينيا وعربيا وبالاجماع وتحفظ دولي عليها إلا أنها ستفتح مسارات سرية وعلنية لمفاوضات ترتكز حول دولة بحدود 4 حزيران يوليو بعاصمتها القدس الشرقية ولكن منزوعة السلاح وهذا ما تسعى إليه واشنطن التي لن تقبل باي حل لا يحقق أمن الكيان المحتل فيما الطرف الفلسطيني قطعا لن يقبل بدولة مسخ تحت الوصاية الصهيونية ..وهذا ما ستجيب عليه تداعيات الأحداث القادمة

حول الموقع

سام برس