جميل مفرح

كم هي المقولات والدراسات والأمثلة والمؤلفات كثيرة التي عنيت وتعنى بالإدارة أو كم هي ربما أكثر الجامعات والكليات ومراكز البحث والمؤسسات التي تتخصص في هذا التخصص الذي أدعي أو اعتقد في رأيي الشخصي بكونه فناً أكثر من كونه علماً وبكونه يقتضي التدرب والتعود والممارسة أكثر من كونه يحتاج إلى حفظ وتطبيق نظريات ومعادلات وبيانات.
وباعتبار الإدارة فناً غدا مطلوبا في مختلف نواحي الحياة المعاصرة فإنه يفرض أهميته في كل لحظة من لحظات حياتنا، ولو دققنا وتأملنا ودرسنا الواقع من حولنا لوجدنا كل إخفاقاتنا ونقاط ضعفنا ومفاصل تراجعنا تنشأ وتتجسد كنتيجة شبه حتمية لعدم امتلاكنا ناصية هذا الفن العصري المهم للغاية، كما أن تعاملنا مع مفهومه وماهيته تشخص بقوة في قائمة مسببات تلك الإخفاقات أو ذلك الفشل الذي نمنى به أو لا نكاد ننجو منه في مختلف تصرفاتنا وقراراتنا وممارساتنا..
لقد فهمنا ومازلنا نفهم الإدارة على أنها عالم بحت وهذا الفهم كما أشرت يحتل رأس القائمة من أسباب الفشل والتراجع، إذ جعلنا التعامل مع هذا الفهم القاصر نبحث عن إيجاد الجامعات والكليات المتخصصة في الإدارة واعتقدنا بعد إيجادها وتأسيسها أننا خلصنا من إلحاح تضمين الإدارة بمفهومها الشامل في حياتنا اليومية ونظمنا المختلفة.. وبعد التأسيس بدأت مخرجات الجامعات والكليات والمؤسسات التعليمية المختلفة لهذا العلم، وجدنا وسنظل نجد أن المشكلة ما تزال المشكلة وأن مخرجات تلك المؤسسات لم تغير من واقعنا شيئاً على الإطلاق.. وذلك بالطبع راجع لقصر الفهم والمعرفة, وعدم إيماننا بأن الإدارة فن أكثر منها علم.. والفن يحتاج إلى الدراسة والاحتراف أكثر من التلقي والحفظ، ولنا أمثلة كثيرة في فنون كثيرة كالتشكيل والرسم والرياضيات والغناء والموسيقى والشعر وغير ذلك.
ولعل من علائم ودلائل إخفاقنا في التعامل مع المفهوم الحقيقي للإدارة الإخفاقات المتوالية في مشاريعنا أو في معظمها على نحو أدق فمشاريعنا سواء الفردية أو الجمعية والمؤسسية عرضة للفشل وتوقعاته منذ لحظات تأسيس أو حتى منذ التفكير بجعلها واقعاً حقيقياً منفذاً وممارساً، على الرغم من أن كل اشتراطات وأساسيات التكوين والتنفيذ تكاد تكون متوفرة بشكل شبه كلي.. وذلك بالطبع راجع إما إلى سوء إدارة أو انعدام الإدارة بشكل مطلق.
وهكذا نبدو في مختلف قطاعات وتوجهات ومجالات حياتنا ابتداء من التعامل مع الحياة بشكل فردي بسيط ووصولاً إلى التعامل مع الوطن كحاضن جمعي لتصرفاتنا وحياتنا ، لا نفكر على الإطلاق مع أمور الحياة كما ينبغي ولا نجيد حتى إدارة أنفسنا والتعامل بشكل إداري احترافي مع الحياة.. نحن بحاجة ماسة إلى أن نمؤسس كل شيء من حولنا وحتى أنفسنا لنتدرب ونمارس ونتقن ذلك الفن المتطلب للغاية في حياتنا العصرية.. فن الإدارة.

حول الموقع

سام برس