بقلم/د.علي أحمد الديلمي

تكتسب منطقة الخليج أهمية استراتيجية حيوية لأمريكا لعدة أسباب، أبرزها الموقع الجغرافي، وامتلاكها أكبر احتياطي نفط على مستوى العالم.

وتبرز الأهمية أيضاً في وجود "مضيق هرمز" الذي تمر منه 40% من صادرات النفط للعالم، إضافة إلى كونه منفذاً استراتيجياً عالمياً.

وبالنسبة لدول الخليج، تمثل الولايات المتحدة حليفاً مهماً لها؛ خاصة أن بعض دول الخليج تجد في واشنطن حليفاً مهماً في مواجهة أي تهديدات أمنيه وعسكريه وترتبط بإتفاقيات دفاع مشترك معها

قال الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون، إنهم لا يذهبون إلى خارج الولايات المتحدة دفاعا عن الديمقراطية أو الشرعية الدولية أو لمحاربة الدكتاتورية، بل "نذهب إلى هناك لأننا لن نسمح بأن تمس مصالحنا الحيوية".
وتتمثل المصالح الاستراتيجية في المنطقة ألعربيه في حماية النفط، والحفاظ على "إسرائيل" وحماية نفوذها في المنطقة.

إلا أن تحولات في مسار الإستراتيجية الأمريكية طرأت في ظل حكم الرئيس دونالد ترامب، يمثل الوقوف عليها الأهميه في فهم السلوك الأمريكي الجديد بالمنطقة.

أهتمت الولايات المتحدة  طويلاً بأمن إسرائيل لأنها الدولة الوحيدة التي تربطها علاقات أستراتيجيه مع أمريكا وتمارس الديمقراطية الغربية ومنحازة للمصالح الأمريكية ، لهذا تعمل الولايات المتحدة على تثبيت هذه الدولة وتهيئة الظروف مع العرب والمسلمين لإنهاء حالة الصراع العربي الإسرائيلي وإقامة سلام دائم في المنطقة. كما تلعب إسرائيل بحكم موقعها الجغرافي في المنطقة كحارس استقرار للأنظمة القائمة وفي منع أي تحول راديكالي أو ديني قد يضر بمصالحها ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة.

إن الموقع الجغرافي للمنطقة ألعربيه بين أوروبا وشرق آسيا وإفريقيا يجعلها منطقة حيوية من الناحية الجغرافية للمصالح الأمريكية. وتعتقد واشنطن أن الصين من أهم المنافسين الاستراتيجيين لها على المدى البعيد، وتواجه علاقات البلدين أزمات متكررة ومشكلات عدة متراكمة.
وفي إطار المنافع يعتبر تمتين العلاقة مع الصين ضرورة مُلحَّة بالنسبة لدول الخليج، وتأتي بموازاة أهمية وجود علاقة متينة مع واشنطن.
وبحسب "المركـز الديمقراطـي العربـي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية"، فإن هناك تحديات تواجه قيام علاقات صينية – خليجية قوية.
وذكر المركز أن التحدي الأول يتمثل بأن الصين ترى أن من الصعوبة الانفتاح بشكل كبير على دول الخليج في ظل هذه العلاقات الاستراتيجية بين دول الخليج وواشنطن.

وعلى الرغم من تغريدات ترامب النارية وسلوكيته الخارجة عن التقليد المتبع في الإدارة الأميركية وفي البيت الأبيض، إلّا أنّ سياسته تجاه المنطقه ألعربيه لم تخرج عمّا كان مألوفًا في الإدارة التي سبقته. وعلى الرغم من الانتقادات الكثيرة والحادة في بعض الأحيان التي وجّهها ترامب لأوباما، فإنّه قد التقى مع أوباما في نظرته ، حيث رأى أنّ الولايات المتحدة عالقة في أزمات المنطقة وأنّه بات من الضروري أن تخصّص لها أقل قدر من الوقت ومن القدرات العسكرية والمالية.

هذه النظرة الجديدة للدور الأميركي في الأزمات والمتغيرات التي تشهدها المنطقة لا تستند إلى رؤية أيديولوجية، بل تنطلق من قراءة واقعية للمتغيرات الكبرى التي تشهدها المنطقة، ولاعتبارات تتعلق بالمصالح الأميركية في المنطقة. صحيح أنّه ما زالت هناك مصالح أساسية في المنطقة، ولكنّها تراجعت في حيويّتها وأهميتها عمّا كانت عليه في العقود الماضية، وهذا يفرض النظر إليها من ميزان الربح والخسارة

هدّدت الحروب الداخلية وحالة الفوضى التي عمّت في المنطقه ألعربيه بعض حلفاء الولايات المتحدة
ولم تقتصر التهديدات على الأخطار العابرة للحدود، بل تعدّتها لتشمل مجموعة من التهديدات الداخلية ذات الطبيعة الاقتصادية والاجتماعية
عمل ترامب على إقناع حلفاء أميركا في المنطقة للقبول بتحمّل المزيد من أعباء تحقيق الأمن الإقليمي، كما قاوم فكرة التدخّل بقوًى عسكرية كبيرة في أزمات المنطقة، وخصوصًا في العراق وسوريا. وتميّزت استراتيجيته بالتعبير عن دعمه الكبير للمملكة العربية السعوديه وإسرائيل،يعدّد بومبيو وزير الخارجيه الامريكي مصادر التهديد التي تواجهها أميركا بأنّها تتمثّل بتنظيم القاعدة والدولة الإسلامية المتفرّعة عنها، والجرائم السيبرانية، والدول المارقة التي تتحدّى القوانين الدولية وتشجّع الإرهاب وتسعى إلى امتلاك السلاح النووي مثل كوريا الشمالية وإيران، بالإضافة إلى الجماعات المسلحة غير الحكومية.

يبدو بوضوحٍ أنّ الرئيس الامريكي ترامب يعمل على بناء استراتيجية قائمة على تبادل المصالح بينه وبين الحلفاء، الذين يدعوهم إلى المشاركة في المسؤولية وفي تبادل الغرم والغنم، كما يريد ألّا يقتصر العمل على الوجود والقوة الأميركية وحدهما، بل أن يشمل تحالفًا واسعًا لا ينحصر فقط بدول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن، بل أن يتوسّع ليشمل الدول الأوروبية والعديد من الدول الأخرى التي يهمّها الحفاظ على استقرار الشرق الأوسط وأمنه
تعمل واشنطن على ذلك من خلال تعظيم قوة إسرائيل ودمجها في المنطقة وإدخالها في المثلث السعودي الإماراتي، على قاعدة أن الرياض وأبوظبي تنفقان المال وتعززان حضور إسرائيل.فيما تحقق تل أبيب القوة الأمنية والاستخباراتية وتضعف النفوذ الإيراني، وبهذا تصبح للولايات المتحدة اليد العليا لكن من خلال حلفائها التقليديين.

لايمكن التقليل من أهمية مصالح أمريكا في الشرق الأوسط قياسًا على تراجع اهتمامها بالنفط ، فأمريكا تنظر أبعد من آبار النفط إلى الصراع على النفوذ، وهي تعي جيدًا بأن أي انسحاب لها سيترك فراغًا يملؤوه الروس والصينيون، وبذلك تخسر على المستوى الجيوستراتيجي وتفقد قدرتها على تحريك خيوط اللعبة، وهذا مرفوض أمريكًيا.

أمريكا تراهن كثيرًا على السعوديه وعلى الامارات في تحمل نصيب من إعادة ترتيب المنطقة وتوفير الأمن لها، والأدوار التي يقومان بها على مستوى الخليج والإقليم تشي بحضور أكثر فاعلية في تحديد مصير النزاعات الحالية، ولن يكون هناك حلول دائمة وترتيبات معتبرة لا تكون السعودية والإمارات جزءًا منها. البعض يعد أن هذا ضرب من ضروب التبعية، ولكن بداءت السعوديه والأمارات بنهج الواقعية السياسة، فأمريكا لديها ملفات أكبر من مشكلات المنطقه ، وهاتان الدولتان مؤهلتان للعب أداور أكثر أهمية في ترسيخ الأمن والاستقرار والمحافظة على المصالح الامريكيه المرتبطه بمصالح دول الخليج وهذا مايسمي اليوم بنهج السياسه الواقعية التي تنتهجها السعوديه والإمارات وهي تتوافق مع رغبة أمريكيه في أن تعتمد على الحلفاء في الحفاظ علي أمن المنطقة والعمل بأكبر قدر ممكن من خلال الحلفاء في المنطقة، وتكملة جهودهم بدعم أمريكي محدود.

مرت المنطقة ألعربيه بفترة من التقلبات طال أمدها؛ فمنذ عام 2011، عام الربيع العربي شهدت المنطقة "انهيار مزدوج".
أولاً، انهيار الدول والمؤسسات، وثانياً، انهيار البنية الأمنية الإقليمية المتمركزة على الولايات المتحدة بحكم الواقع. وقد ترتب على هذا الانهيار المزدوج عدد من النتائج.
أولاً، تحوّل مركز الثقل في العالم العربي من الدول التي كان يتواجد فيها تقليدياً - مصر وسوريا، بالدرجة الأولى - إلى دول الخليج العربية، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وكان لذلك عدد من الانعكاسات، من بينها التحوّل في تركيز الدول العربية، من قضايا مثل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني إلى إيران والنزعة الإسلامية.
وفي هذا الإطار، تدخلت السعودية والإمارات، بدعم من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، في اليمن والبحرين. وبالنسبة للإمارات، فمن أجل دعم تدخلها في اليمن إلى حد كبير والتعويض عن الانسحاب الأمريكي الذي تخشاه من المنطقة، أصبحت نشطة بشكل متزايد في شرق إفريقيا.

الخلاصه أن الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط لا تكترث، ولا تعطي أهمية لاحتياجات دول المنطقة، ولا تهتم بشعوبها وقضاياهم واحتياجاتهم، أو حتى النخب الحاكمة، التي تتعامل معها تكتيكيا وفقا لمتطلبات كل مرحلة وظرف سياسي أو تاريخي، وطبقا لما يحمي مصالح واشنطن وإسرائيل فقط، وبذلك فإن السياسة الأميركية متغيرة ومتلونة مع كل الدول، فيما تظل ثابتة تجاه ما يحقق مصالح واشنطن وتل أبيب، وعلى دول المنطقة أن تبني استراتيجياتها وتحالفاتها وفقا لظروفها، ومصالحها، واحتياجاتها، والمخاطر والتحديات القائمة والمحتملة وفق تحالفات مدروسة لا أن تقوم بدور المنفذ لما يتم الطلب منها .

سفير ودبلوماسي يمني

حول الموقع

سام برس