بقلم/ عبدالباري عطوان
هل حدّدت الزّيارة “المُشتركة” لوزيريّ الدفاع التركي والقطري لطرابلس ساعة الصّفر للهُجوم على سرت والجفرة؟ لماذا خرج الدّور القطري إلى العلنيّةِ فجأةً؟ وكيف ستَرُد مِصر؟ وما هي احتِمالات المُواجهة في شرق المتوسّط بعد التّلاسن التركيّ الفرنسيّ؟

لم يُجانِب هايكو ماس وزير الخارجيّة الألمانيّ الصّواب، بل أصاب كَبِد الحقيقة، عندما حذّر بعد زيارته القصيرة إلى العاصمة الليبيّة طرابلس مِن أنّ ليبيا تعيشُ حاليًّا “هدوءً خادعًا” حيث يُواصل الطّرفان المُتصارعان على أرضها عمليّات تحشيد مُكثّفة هذه الأيّام.

تحذير وزير الخارجيّة الألماني هذا يُمكن فهمه إذا وضعناه في إطار الزّيارة الثنائيّة غير المسبوقة التي قام بها في التّوقيت نفسه، أيّ الاثنين الماضي، وزير الدفاع القطريّ خالد العطية، ونظيره التركيّ خلوصي آكار، واجتماعهما سويّةً مع قُطبيّ حُكومة الوفاق فايز السراج، وفتحي باشاغا وزير الداخليّة القويّ، كُلٌّ على انفراد، وتوقيعهما اتّفاقًا ثُلاثيًّا يَنُص على تأسيس جيش ليبي قويّ وحديث، وبناء مؤسّسات الدولة الليبيّة وإرسال مُستشارين عسكريين قطريين إلى طرابلس، وفتح الكليّات العسكريّة القطريّة والتركيّة لتدريب وتأهيل هذا الجيش حتى يقوم بواجباته في حِماية أمن البِلاد.

ٌّهذه هي المرّة الأولى التي يزور فيها مسؤولٌ قطري كبير، وبهذه الطّريقة العلنيّة طرابلس مُنذ ثماني سنوات، حيث كانت تُفضّل السّلطات القطريّة البقاء في المقاعد الخلفيّة، ولكن يبدو أنّ الزّيارة المُفاجئة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان إلى الدوحة قبل يومين من هذه الزّيارة الثنائيّة غيّرت “قواعد الاشتباك” وأحدثت التّغيير الذي نراه حاليًّا، وتمثّل في شدِّ وزير الدّفاع القطريّ الرّحال إلى العاصمة الليبيّة والخُروج من الظّل إلى العلن بالتّالي، والدّفع بالأزمة الليبيّة إلى الواجهةِ مُجدَّدًا.

هذا التحرّك الثّنائي العسكريّ القطريّ التركيّ أحدث ارتدادات إقليميّة صعّدت من منسوبِ التوتّر، وزادت مِن احتمالات المُواجهة العسكريّة، خاصّةً بعد الاتّفاق الثّلاثي الليبي التركي القطري على إقامة قاعدتين بحريتين تركيّتين، الأولى في مدينة مصراته والثّانية في مدينة الخمس في الغرب الليبي على سواحل المتوسط، جنبًا إلى جنبٍ مع قاعدة “الوطية” الجويّة جنوب غرب العاصمة، وتوارد أنباء تُفيد بأنّ الهدف الرئيسيّ من زيارة وزيريّ الدّفاع القطريّ والتركيّ هو تحديد “ساعة الصّفر” للهُجوم على مدينتيّ سرت والجفرة.

هُناك أربعة تطوّرات مُهمّة على الجبهة الأُخرى من الصّراع في الأزمة الليبيّة لا بُدّ من رصدها إذا أردنا قراءة خريطة التحرّكات العسكريّة والسياسيّة في الأيّام والأسابيع المُقبلة:

الأوّل: الهُجوم الشّرس الذي شنّه اليوم الخميس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على نظيره التركيّ رجب طيب أردوغان ونشرته مجلة “باري ماتش” قبل ساعات من القمّة الفرنسيّة الألمانيّة، حيثُ اتّهم ماكرون الرئيس أردوغان بأنّه “ينتهج سياسةً توسّعيّةً تمزج بين المبادئ القوميّة والإسلاميّة ولا تتّفق مع المصالح الأوروبيّة، وتُشكّل عاملاً مُزَعزِعًا لاستِقرار أوروبا الأمر الذي يجب التصدّي له وجهًا لوجه بكُل الطّرق والوسائل”.

الثّاني: إصدار الرئيس المِصري عبد الفتاح السيسي توجيهًا إلى القوّات المسلّحة بالحِفاظ على أعلى درجات الجاهزيّة والاستعداد لحماية أمن مِصر القوميّ، أثناء اجتماعه بقائد الجيش الثّاني الميداني، ورئيس الهيئة الهندسيّة للقوّات المسلّحة، وتزامن هذه الخطوة مع تصريحات للشيخ صالح الفندي رئيس مجلس القبائل الأعلى في ليبيا قال فيها إنّ مجلسه أعطى الضّوء الأخضر للجيش المِصري للتدخّل عسكريًّا في ليبيا في حالِ حُدوث أيّ تحرّك تُجاه سرت والجفرة، وأكّد أنّ الرئيس السيسي تَعهّد بتقديم الدّعم العسكريّ الجوّيّ والبرّيّ والبحريّ إذا تجاوز الأتراك الخطّ الأحمر في سرت.

الثّالث: توارد تقارير صحافيّة تؤكّد أنّ عدد “الجِهاديين” الذين أرسلتهم تركيا من سورية وصل إلى 30 ألفًا، بِما في ذلك مُقاتلين آخرين جرى تجنيدهم من العديد من الجنسيّات الأُخرى، وهذا الرّقم بات يُشكِّل قلقًا للمُعسكر الآخر المُعادي لتركيا ويَضُم مِصر والإمارات وفرنسا واليونان وروسيا إلى جانب قوّات الجِنرال خليفة حفتر بطبيعة الحال.

الرّابع: فشل مُبادرات أمريكيّة بتحويل سرت والجفرة إلى مناطقٍ منزوعة السّلاح، وجمع الأطراف على مائِدَة الحِوار، وفشل الجُهود المغربيّة في التّوصّل إلى اتّفاق “الصخيرات 2” وتراجع الوِساطات والجُهود السلميّة.

التّصعيد المُتزايد بين فرنسا وتركيا والتّلاسن الحاد بين زعيميّ البلدين، ووصف الرئيس أردوغان نظيره الفرنسي بأنّه يُمارس أبشع أنواع البلطجة بإرساله طائرتيّ “رافال” وسفينتين حربيّتين إلى قبرص، ومناطق اقتصاديّة موضع نزاع شرق المتوسّط، وأنّه، أيّ الرئيس أردوغان، لن يرضخ لهذهِ البلطجة، وسيُواصِل التّنقيب عن النّفط والغاز، وهذا التّصعيد ينتظر عود الثّقاب لإشعال فتيل مُواجهة تدّعي الأطراف جميعًا أنّها لا تُريدها.

السّيناريو التركيّ القطريّ الذي كانَ، وما زالَ، سائدًا في الأزمة السوريّة ينتقل حاليًّا إلى الأزمة الليبيّة، في إطار تحالف عسكريّ إقليميّ أوسع، ربّما ينتقل إلى أزمات أخرى حاليّة أو على وشك الانفِجار، فمن الواضح أن الجانبين التركيّ والقطريّ وضَعا الدبلوماسيّة جانبًا، وباتا يتبعان نظريّة “الجُرأة هي الطّريق الأسرع للفوز” رهانًا على تردّد الأطراف المُقابلة وخوفها من تَبِعات الحرب وتكاليفها الباهظة بشريًّا وماديًّا، وإنّه رهانٌ خطير محفوفٌ بالمخاطر في جميع الأحوال، ولكنّه ليس مُستَغرب على الرئيس أردوغان بالنّظر إلى مواقفه السّابقة.

دول الاتّحاد المغاربيّ تقف حاليًّا فوق فُوّهة بركان على وشك الانفجار، ومعها مِنطقة شرق المتوسط، والصّراع في الاثنين يظل على النّفط والغاز والنّفوذ، والصّفقات الماليّة والتجاريّة، ومن يقول غير ذلك يخدع نفسه والآخرين، ولا نستبعد أن يكون الانقلاب العسكريّ في مالي هو البداية، وتحريض ماكرون للاتّحاد الأوروبي ضد تركيا هو المُقدّمة لحربٍ إقليميّةٍ، وربّما عالميّة تَصعُب السّيطرة عليها أو التنبّؤ بنتائجها.

السّؤال المطروح بقوّةٍ الآن: حتّى متَى سيطول “صمت” الجزائر، وتردّد تونس، وحِياد المغرب الخجول؟ وأين تقف أمريكا التي ما زالت تلعب على كُلِّ الحِبال؟ الأيّام المُقبلة حافِلةٌ بالمُفاجآت.. واللُه أعلم

نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس