بقلم/ أحمد المسلماني
تتوسّع تركيا بما يفوق طاقتها.. إنها تتواجد في العراق وسوريا وليبيا، كما هي في شرق المتوسط والقرن الإفريقي، تتوغل في العراق بين الفترة والأخرى وتحتلُّ شريطاً حدوديّاً، لكن إذا كان هذا ممكناً بفعل توازنات اليوم، فإنه لن يكون ممكناً بفعل تغيرات المستقبل.

وفي سوريا تحتل تركيا شريطاً حدودياً آخر، ويتباهى القادة الأتراك بوجود احتلال تركي لأراضٍ سورية، ولكن هذه الرؤية القاصرة لا تدرك أن روسيا قد أصبحت تحيط بتركيا من الجانبين، وأن القوة العظمى الثانية صارت تُهدِّد حدود تركيا الجنوبية والغربية، بعد أن كان حلف الناتو يستخدم تركيا لتهديد الجبهة الروسية.

فمؤخراً، أعلنت جماعة موالية لتركيا مسؤوليتها عن مقتل جنرال روسي، فقررت روسيا إقامة مركز رعاية دائمة للجيش الروسي في سوريا، كما تحدثت مراكز الدراسات الروسية عن استعداد موسكو لتغطية الجيش السوري جوّاً أثناء حرب إدلب الوشيكة.

في ليبيا تحاول تركيا التمركز في قاعدة مصراتة العسكرية، وتحاول كذلك إنشاء جيش غربي يوازي الجيش الوطني، على الرغم من الهدوء المفاجئ، الذي طرأ مؤخراً بعد بيانَي البرلمان والوفاق.

إن إنشاء هذه القاعدة يُهدِّد تونس التي تشترك حدودياً مع ليبيا في قرابة 500 كم، وتواجه نفوذاً رسمياً متصاعداً للجماعات المتطرفة، كما أنه يُمثِّل ضغوطاً على الجزائر التي تشترك حدوديّاً، ولم يسبق لها مواجهة جيش مدعوم خارجياً على حدودها الشرقية.

وفي شرق المتوسط تحاول تركيا الحصول على ما تريد بالقوة، دون اكتراث بالقانون الدولي، وعلى الرغم من أن الحديث عن اكتشافات الغاز في السواحل التركية في البحر الأسود من شأنه تخفيف الخشونة التركية شرق المتوسط، غير أن سوء التقدير لدى القادة الأتراك، والنفوذ الخارجي في القرار التركي قد لا يجعل من اكتشافات البحر الأسود طريقاً للتهدئة في البحر الأبيض.

كذلك، في منطقة القرن الإفريقي تتواجد تركيا عسكرياً، وعلى الرغم من عدم ارتباط المصالح التركية بالبحر الأحمر أو باب المندب أو طرق الملاحة في المحيط الهندي وشرق إفريقيا، إلّا أن نظام الرئيس رجب طيب أردوغان، يُصرُّ على التواجد العسكري هناك.

إن هذا التوسع غير المستند إلى أساس عسكري واقتصادي قوي يبعث على الذهول، فبينما كان بإمكان نظام أردوغان الاقتداء بالنموذج الصيني، أي التوسع بأسباب اقتصادية، فإنه مضى يقتدي بالنموذج الأمريكي، حيث الوجود العسكري الواسع خارج الحدود.

إن سياسة تركيا فوق طاقتها، والمطلوب من الجيش يفوق قدرة الجيش نفسه، فضلاً عمَّا تواجهه القوات المسلحة من تحديات عقب محاولة الانقلاب 2016، وهو ما دعا مؤسسة «راند» الأمريكية في دراسة لها عام 2020 بتوقع انقلاب عسكري جديد في تركيا.

إن مصلحة تركيا ليست في انقلاب عسكري جديد، بل في انقلاب فكري وأخلاقي، يضع أوهام الزعامة جانباً، ويعيد بناء الشراكة والصداقة مع المحيط العربي، لا تحتاج أنقرة إلى انقلاب في الجيش، بل إلى انقلاب في العقل.

*رئيس مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية، المستشار السابق للرئاسة المصري

نقلاً عن الرؤية

حول الموقع

سام برس