بقلم/ماجد عبدالكريم غيلان
ظاهرة الإغتراب في إطار الوطن الواحد قد لا تكون مستساغة لدى الكثير في عصرنا الحالي خصوصاً مع التطور الكبير في معظم نواحي الحياة وسهولة التنقل والتواصل بين البلدان والشعوب المختلفة ناهيك عنها في إطار البلد الواحد.

إلّا أن هذا المفهوم مايزال واقعاً معاشاً لدى فئات ومناطق عدة في بلادنا ، ليس فقط من حيث المشاعر النفسية والمعنوية التي يشعر بها الفرد نتيجة الأوضاع المتردية والواقع البائس ، الذي يُولِّد في نفسية الإنسان ظاهرة الإغتراب الداخلي والشعور بعدم الرضى تجاه بلده حين يفقد المقومات الأساسية للحياة فيه ، أو الشعور بتخلي المجتمع المحيط نتيجة الإنكفاء الذاتي لدى غالبية افراد المجتمع عند الظروف الصعبة وفترات الحروب والأزمات.

ليس هذا ما نقصده كجوانب نفسية فحسب ، بل أن هناك الكثير ممن يعايشون مرارة الغربة فعلياً وهم يعيشون في وطنهم وليس بعيداً عنه ، كحالات الاغتراب الطويلة التي يقضيها ابناء المناطق الريفية والنائية في مناطق العمل بالمدن والمحافظات المختلفة ، حيث تصل فترات غياب نسبة كبيرة منهم عن أهاليهم ومناطق سكنهم الى سنوات عدة ؛ نتيجة لإرتفاع تكاليف السفر ومتطلباته مع ندرة فرص العمل وتدني مستوى الدخل وغيرها من الأسباب التي تدفع في مجملها بالفرد الى الإختيار الإجباري للبقاء طويلاً في أماكن غربته عن خيار الذهاب والعودة بين موطن السكن ومكان العمل ، ويمثل ابناء المناطق الريفية المحرومة من التنمية والخدمات الأساسية النسبة الأكبر من هذه الحالات كما هو الحال في منطقة وصاب التابعة لمحافظة ذمار على سبيل المثال ، حيث تجد ابنائها يقضون فترات طويلة في مناطق الغربة والشتات على مستوى مدن اليمن وخارجه ايضاً..

يقضي كثيراً من شباب هذه المناطق أعمارهم خارج مناطق سُكناهم وتواجد أهاليهم ولا يستطيعون العودة وزيارة الأهل إلّا نادراً في بعض الأعياد ولبضعة ايام او أسابيع بعد قضائهم لأعوام في مواطن العمل ، وليس فقط شريحة العمال وأصحاب الأعمال والمهن من يتجرعون مرارة الغربة بل حتى الطلاب أيضاً في الجامعات والمعاهد المختلفة من ابناء هذه المناطق ، حيث يظلون لسنوات لا يعود معظمهم في فترة العطل والإجازات الى مناطقهم بل يتجهون للبحث عن اعمال ومهن مختلفة لجمع تكاليف الدراسة للعام الذي يليه ، وهكذا أصبح من الصعوبة على من غادر منطقته أن يعود إليها بسهولة ، فصار نتيجة لذلك العديد من منازل وقرى وصاب وغيرها من المناطق الريفية المحرومة من مشاريع التنمية ومقومات الحياة الأساسية تفتقد لفئة عمرية عريضة من شريحة الشباب والتي تزداد مع تبعاتها القاسية عليهم وعلى أسرهم عاماً بعد اخر في تطور عكسي غريب إذا ما رجعنا الى الوراء خلال فترة ما قبل دخولنا الى الألفية الثالثة في الثمانينات والتسعينيات مثلاً حيث كان اذا اغترب أحد افراد الأسرة كفَّى متطلبات الجميع بينما يغادر اليوم الجميع ولا يستطيعون الإيفاء بالإحتياجات الأساسية لأفراد أسرهم..

في هذه الفترة وخلال الأسابيع القليلة الماضية بعد انقضاء فترة العيد تزداد كما هو معتاد رحلات المغادرة لمن حالفهم الحظ بزيارة قراهم وأهاليهم حيث لا يكاد ينقضي الأسبوع الأول من إجازة العيد حتى تبدأ مواكب المغادرين الى أماكن الإغتراب المختلفة‏ في معظم مدن ومناطق الجمهورية ، فيما يحظى المغتربون القادمون من خارج الحدود بفترة بقاء أطول بين أهليهم تصل احياناً الى حوالي ستة أشهر ، وكما هو متعارف عليه ان الغربة خارج حدود الوطن تكون أكثر قسوةً وأشد وطئةً على نفسية الانسان ، ومع ذلك تجد عدداً ليس بالقليل من ابناء هذا البلد اصبح لديهم الإغتراب في بلدٍ اخر حُلمٌ كبير يتمنون تحقيقه ، وأضحت الكربة في بلدان الغربة خارج الوطن غير ذات اعتبار أمام كربات الداخل المركبة ، وغير ذلك الكثير من معطيات الواقع التي تقودنا جميعها إلى نتيجة مفادها أن هناك غرباء فعلاً في أوطانهم ، ومغتربون كُثر بين ثنايا أحضانها.

حول الموقع

سام برس