عبدالرحمن بجاش
حين كانت تعز لا تزال صبية بكرا وكنا نخطو الخطوة الاولى نحو حياة ممتدة تحس انك خلالها لم تقدم شيئا , فتشعر بالقهر على نفسك وسنين من العمر راحت هدرا لم تستطع ان تستغل كل ثانية فيها , ولم تصادف في طريقها دولة تعيد صياغة ارادتك او توجهها التوجيه السليم حتى يستفاد من قدراتك فائدة للبلاد كلها , ولذلك ها نحن امضينا سنين طوالا خلال نصفها استطاع جيران لنا ان يوجدوا على الاقل نظاما مروريا يرسخ كل يوم في اذهان الناس هيبة القانون ويشعرهم بجدوى ان يكونوا مواطنين يعطون وياخذون - اتحدث عن عمان ونحن لم نستطع تنظيم ميدان السبعين - . تعز لحظتها خرجت الى النور , والنور كان عبارة عن شارع 26 سبتمبر تتفاعل فيها حياة اليمنيين , يحلمون , يتمنون , يركضون في كل اتجاه علهم يلحقون بالحياة التي سرقت , وتحول الانسا ن الى مجرد ( موقف سيارات ) حسب صاحبي المساح , كان الانسان موقفا فاذا بسيارات من كل شاكلة ولون تحوله الى مجرد ساحة تقف عليها , في لحظات الحلم في اقصى تجلياته , بنيت اول عدة مبان حديثة للاوقاف - سكن احدها الشيخ أحمد عبدالجواد الدومي علامة الاخوان المسلمين - على خط كان يشغله سور تعز القديمه , وذات صباح قالت قريبتي وكانت تسكن البيت المواجه ( نشوف لاول مره اسرة بكاملها تبكر كل صبح تشرب القهوه في البلكون) , كانت تعز تعرف البلكونات لاول مره ولم تتحجب بعد !! , وفي الشارع راينا رجلا مهندما بسشوشا يخرج مع ام منيرة بوجهها وشابة وشباب لابسين ملابس جميله , عرفت تعز يومها ان الرجل طه عون , وعرفت انا في الفصل منيرا , وفي البلدية في ما بعد كان الاب عنوانا , واخوة منير يمرون في الشوارع ونحن نتلصص على بنطلوناتهم ووجوههم النضرة , كانت تعز يومهاتستقبل الفجر الذي افل في ما بعد لتتحول الى (بكرة) كل من مر رضعها بقوته !!! ليست تعز وحدها بل البلد كله !!, في الفصل طالما جذبنا منير بلهجته اللبنانيه ولطفه الذي استمر معه في المدرسة بتعز , لتذهب بنا الحياة كلا في اتجاه , الاب طه يتوفى بعد ان اوصى والدي بالاولاد خيرا , وا نا ومنير تذهب بنا الايام الى صنعاء نلتقي بين الفينة والاخرى ومنير لم يفقد ألقه , ولطفه وتلك اللتنه المحببه حين يكلمك , نلتقي ,نختفي, نتباعد, نقترب , حتى ذلك الصباح ,ذهبت لزيارة صديقي الاستاذ عبد الباري طاهر , وعند الباب المقابل وقفت سياره نزل منها احدهم طويل القامة شديد النحافه , رفع عبد الباري يده , رد هو التحيه, كان وجهه شديد النحول , ارسل ابتسامة باتجاهي ودلف الى الداخل , لاسال عبد الباري : هذا الرجل اعرفه , بلهجته المتهكمه : حرام عليك هذا صاحبك منير طه عون , لم اصدق بل تجمدت لساني في فمي , لاعرف انه اصيب بالفشل الكلوي , يا الله , كل تلك النضارة واللطف, والطيبة, والنزاهة , والنشاط واللهجة المحببة ينهشها كلها مرض لا يرحم ,اتصلت به فيما بعد , لقيته , اختفى , ظهر , احسست ان حالته افضل , تم تعيينه في بنك الاسكان فحزنت اكثر , فكانما عوقب !! , وغاب طويلا بصوته وصورته حتى فاجأني الصديق عبد الكافي عبد العزيز راشد برسالة مساء امس الاول ( منير انتقل الى رحمة الله ) .....فقط رددت ( لا حول ولا قوة الا بالله ) ..

نقلا عن الثورة

حول الموقع

سام برس