بقلم/ احمد الشاوش
تدور الأيام بحلوها ومرها ، وليلها ونهارها ، وافراحها واحزانها ، وكلُ منا يُريد ان يشقُ طريقه ، ويحقق غايته في عالم مجرد من العواطف والمرؤة والانسانية وقيم العدالة ، دولٌ مارقة ، وملوكٌ وامراء يعيشون حياة البذخ ورؤساء وقادة وتجار حولوا حياة الشعوب الى جحيم والناس الى عبيد وآخرين غرتهم الدنيا واستهوتهم كراسي السلطة والتسلط ولمعان الذهب ورغد العيش فنسوا الله وانساهم انفسهم وغرقوا في متاهات النفس الامارة بالسوء بعد ان تجردوا من الضمير والقيم وصار الوطن والدين والمبادئ المزيفة والخطابات الرنانة مجرد مصيدة وأفيون لتخدير الشعوب ونهب الثروات ، ومن سُنن الله في الكون ان الأيام تمضي وتدور الدوائر ويتساقط الطغاة والشواهد والعبر التاريخية لا تُعد ولا تحصى.

ومن القصص الإنسانية الفظيعة التي يهتز لها البدن ويشيب لها الرأس وتدمع العين حسب ماورد في كتب التاريخ ، يُحكى انه في أيام المأمون ، قال لـ شيخ حكيم تجاوز المائة عام وشاء القدر ان يكون شاهداً على أكثر من واقعة ومصيبة ، اخبرني عن أغرب وأرعب المواقف التي شاهدتها في حياتك ، فقال الحكيم للخليفة ، شاهدت الخليفة هشام بن عبدالملك مرتحلاً على فرسه وهو ينثر الدنانير على الناس والناس تجري بعده والتقطت بعضاً منها ، وماهي إلا سنوات ومات الخليفة وأطال الله في عمري لأرى أولاد الخليفة يتكففون الناس من شدة الجوع والفقر والمرض وكأن ذلك المُلك والمال والدلال والنعمة والقصور مجرد أضغاث أحلام ..
وقال الرجل الحكيم ، مد الله في عمري يا خليفة الله الى دولة الخليفة الورع التقي عمر بن عبدالعزيز الذي ملآ الدنيا عدلاً وتواضعاً حتى فاضت روحه الى بارئها ولم يُخلف مالاً ولا ثروة ولا قصوراً ولا ارثاً سوى التقوى والسمعة الطيبة وذُرية صالحة لا تملك إلا قوت يومها، ودار الزمن واذا بإبناء عمر بن عبدالعزيز يكتسبون المال والثروة وفي أحسن الأحوال فصُعق الخليفة من تقلبات الدهر ونوائبه وما يخفيه القدر .

ولو ان كل ملك وامير وحاكم وقائد وشخصية اجتماعية قرأت تاريخ الأمم بعناية وأطلعت على الكثير من القصص والحكايات المثيرة والسير العجيبة والاحداث الفظيعة والحكم والمعلومات لوجدنا فيه غايتنا ووفرنا على انفسنا الضعف والهوان والضياع واتجهنا الى بناء الانسان وتهذيب النفس وتربية النشء وانتجنا اجيالاً تحمل ثقافة العلم والابداع والمحبة والتسامح والتعايش والسلام والتنمية والبناء وبنينا المدينة الفاضلة ، لكن المشكلة اننا أمة لا تقرأ التاريخ وان قرأت لأتَفَهم وان فَهمَت لا تعمل به ، غثاء كغُثاء السيل ، بعد ان صار العربي اسيراً لثقافة الجهل والتطرف ، والحاكم العربي يُغرد في وادي والمواطن في وادي آخر.

نقرأ التاريخ العربي والإسلامي بحلوه ومُره ونستكشف صفحات مُشرقة وموحشة ، والاجمل فيها عظمة الصدر الأول للإسلام وانفاق الخليفة الاول أبوبكر الصديق وسخا ذو النورين عثمان بن عفان وشجاعة علي بن ابي طالب وصرامة عمر بن الخطاب الذي قال لو ان راحلة تعثرت في العراق لسؤل عنها عمر يوم القيامة ، ونصرة العباس بن عبدالمطلب لرسول الله وبطولة جعفر ابن ابي طالب وصبر عمار بن ياسر وبلال بن رباح وتضحيات بدر وغيرهم .

وتكشف لنا تاريخ موجع ومشاهد رهيبة ورؤوس تتطاير في الهوى ودماء تُسفك وقُرى تُنهب وبيوت تُحرق وصراخ ونياح ودموع تسيل وأحرار يتحولون الى عبيد وعبيد يصبحوا أحرار ، وفواجع ومواجع بدأت تلوح في الأفق بعد فتنة الملك العضوض بدءاً بالأمويين ومروراً بالعباسيين والحروب الطاحنة تحت يافطة الدين والولاء والتبعية والسنة والشيعة والوطن والحزب والقرية والمنطقة والمشاريع المشبوهة وكلما دخلت امة لعنة اختها ، ويدور الزمن وتتغير الأنظمة والدول من بعد عصر النبوة ، والخلفاء الراشدون ، والعباسيون ، والمماليك، وبني زياد والصليحيين والأيوبيين والرسوليين والطاهريين والعثمانيين والقاسميين والمتوكلييين ، والجمهورين والسبتمبريين ، وكلٌ على ليلاه يغني.

وتجري الأيام وكل منا يكد ويشقى في دروب الحياة ومعارك العمل للبقاء على قيد الحياة والحصول على عيشه كريمة وسكن يأوي الانسان الذي جعله الله خليفة في أرضة من شدة البرد وحر الصيف وزخات المطر وهي أبسط حقوق الانسان على الحاكم ، لكن واقع الحال مُحال والارزاق بيد الله ويوم لك ويوم عليك وما كُتب في الجبين ما يستر الكف يمحيه.

شاهدنا خلال العشر السنوات الماضية في اليمن وسوريا وليبيا والعراق وغيرها مالا عيناً رأت ولا اذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر ، مال خليجي يُدمر البيت العربي وعقلية عربية متآمرة وأحزاب كرتونية وقيادات فاسدة وسياسات فاشلة وثورات وانقلابات مدمرة وحريات مصادرة وديموقراطيات وهمية وصناديق مخزوقة ومذاهب هدامة وشعوب منهكة وثروات منهوبة وضحايا بالملايين.

أخيراً .. يواصل حكام اللحظة في كل مكان جبروتهم بعيداً عن العقل والحكمة والعدل ، امام ينطح امام ورئيس يرتع رئيس وقائد يرفس قائد ومشرف يقلب وزير ، حتى يقال انه طار خلال سنوات 200 امام ، وآخرهم بيت حميد الدين ، وطار السلال و الارياني والحمدي والغشمي وعفاش ويعلم الله الدور القادم على مَن .. السؤال الذي يطرح نفسه متى سنتخلص من ثقافة الانتقام والحقد والكراهية والتبعية والعبودية والحروب و الخيانة والمؤامرات والمزايدات والتضليل والتزوير، هل نستفيد من عبر التاريخ ويبدأ الجميع صفحة جديدة في طريق الحوار والمصالحة والسلام بدلاً من سياسة الاستنزاف والدمار تجسيداً لقيم التسامح والتعايش أم ان عقليتنا مبرمجة على مشاريع ثقافة الموت والشهادة والثورة والثروة حتى يقع الفأس في الرأس.. ان غداً لناظره قريب.

Shawish22@gmail.com

حول الموقع

سام برس