بقلم/ احمد الشاوش
ما ان نفكر الدخول الى مواقع التواصل الاجتماعي واقتحام أبواب ونوافذ فيسبوك لمتابعة مايكتبه الاصدقاء والاعداء ، والعقلاء والاغبياء ، والحكماء والبلداء ، والظرفاء والثقلاء ، والشياطين والملائكة ، حتى نكتشف فجأة اننا في أحد مستشفيات الامراض العقلية ، وان الفارق بين العقل والجنون " شعرة" في موقع فيسبوك الذي تحول الى ساحة حرب وخرط وهرج ونفاق وأقرب الى حائط مبكى او ساحة هايد بارك للتعبير عن نفسياتنا ومايدور في اعماقنا من تفاؤل واحباط وقيم وعُقد وانحطاط وقوة وضعف وصدق ولف ودوران.

وكما يقول العقلاء "المتفرج لبيب " ، نواصل التجوال ليلاً واطراف النهار ، نصول ونجول في ساحة الفيسبوك للبحث عن المعلومة الغائبة والمنشور المتزن والفكرة العظيمة والفائدة الكبيرة ، وللناس فيما يعشقون مذاهب ..

نبحث عن الصورة والرأي والاحداث ونشارك بلمسة زر ، ولايدري بعض المفسبكين إلا بظهور جني من مداليز الساعة السليمانية يعجن لك المنشور ويقلب لك الفكرة والصورة عاليها سافلها وما ان تلتقط انفاسك حتى يبرز لك ناشط من قسم الامراض النفسية وناشطة مصابة بإنهيار عصبي ، وقبيلي من اهل الكهف مغلق الطبلون ، ومثقف مرجوج واعلامي مهزوز ومخبر أتعب ملائكة الشمال واليمين من كثر التقارير الكاذبة.

كلٌ يغني على ليلاة ..

وكله يهوووون ، إلا عندما يتحول الرااااااجل قوة 64 حصان الى " مُووووزة" في غرف الدردشة ، ووززززة ممشوقة القوااااام ، في عالم الصياعة، متوارياً تحت صورة " انثى" وهمية واسم حواء المزيف والكلام المعسول والمنشور المبتذل ، وبقدرة قادر على موقع فيسبوك يكتشف البعض ان " الامورة" مجرد عفط وطُعم من نواعم التنظيم الدولي للاخوان المسلمين أو من طراز جماعة انصار الله الحوثيين ، او من قمارى المؤتمريين يؤدي مهمة ضمن الجيوش الالكترونية التي حولت الشباب والرجال الى صبايا والجنس اللطيف الى شباك للصيد في زمن السقوط الاخلاقي.

وما ان نغوص في فيسبوك للاطلاع على الاخبار الجديدة والمنشورات الرقيقة والمقالات الغريبة والتقارير العجيبة والاراء والانتقادات والمعالجات ، حتى نرى فنوناً من السب والشتم والتهديد والوعيد ، لينتظرك الجزء الثاني من مسلسل الهروب حامي الوطيس الى غرف الدردشة مع عالم حواء والبدء بإرسال الورود وتوزيع الابتسامات وكتابة النوادر وتطور الحالة الى تفعيل الصوت ومؤثرات الشهيق والنهيق والعشق والغرام والحب المزيف واستعراض الصور المدبلجة واللحظات العابرة نتيجة للجفاف العاطفي للبعض.

ويُبحر بعض المفسبكين والمفسبكات بعيداً عن الواقع للوقوع فريسة في شباك الواقع الافتراضي ولا هو الذي استفاد من المعلومات والاراء الرشيدة واستغل الوقت فيما ينفعه ولا هو الذي غادر حياة الزيف والابتذال والفوضى ..

والمتصفح اللبيب للفيسبوك يلحظ قفشات الحبايب ونثرات الاقارب ونيران صديقة بعد الوقوف على اطلال وتشنجات الحمقاء واثارة الحقد والكراهية والتحريض والخلافات حتى نقول قامت القيامة و على الدنيا السلام من حالات الابتذال والرخص وتراكم المنشورات والصور المزيفة والاخبار المضللة والشائعات الهدامة ، بينما يبتعد المفسبك عن طرح قضايا حساسة في مجالات الفكر والثقافة والسياسة والاقتصاد والتكنولوجيا والمجتمع والطب والعلوم والدين وماينفع الفرد والاسرة والمجتمع والدولة والانسانية تقديراً للخدمة المقدمة ليكتشف العبد لله وكتيبة " المفسبكين " ان نسبة 70 في المائة من المنشورات والمشاركات والاعجابات تفتقد الى الدقة والمصداقية والثقة وان خبر الساعة أوقضية رأي عام او مقال يكتب بماء الذهب لم تجد له تفاعلاً ومداخلة وقد تجد فيه عشرة اعجابات وآخر أثنين ، بينما منشور موزززززة قد تجد له مائة اعجاب وتعليق أو منشور ممول الف اعجاب في حالة تعكس ان الكثير منا لايقرأ واذا قرأ لايفهم واذا فهم لايعمل.

ورغم تلك الحالة الغريبة على مجتمعنا يرصد موظفوا فيسبوك وبرنامجه وجيشه وعسسه آلياً وبدقة كل شاردة وواردة على مستوى الثانية حتى اعفاط الاحزاب والانظمة والمخبرين والشواذالذين تحولوا بقدرة قادر الى نسخة من عالم " حواء" دون عملية تحويل وفتحوا لهم حسابات تحت عنوان " صبايا" لاصطياد البعض يظل سلوك شاذ ،يستفيد منها العم زوكر بيرغ ويحفظها كمعلومات سرية لوقت الحاجة وماتذكير فيس بوك لنا بكل مناسبة سنوية وحدث هام كل عام إلا واحد في المائة من أرشيفه الخاص الذي يعرف عن حياتنا أدق الاسرار والتفاصيل التي لايعرفها أقرب المقربون ، ورغم حلاوة ومرارة فيسبوك إلا انه في الفترة الاخيرة لم يكن " محايداً" بين الفلسطينيين والاسرائيليين في حرب غزة ، ولم يكن منبراً حراً في احترام اراء ومنشورات البعض مما أثر عليه سلباً وهوى به قليلاً عن الريادة.

والاخطر ان حالة الانحطاط وصلت الى ظهور صبابا وبنات على الفيسبوك لاستغلال وابتزاز شخصيات وناشطين واعلاميين ورجال دولة ورجال اعمال من خلال تصويرهم في غرف الدردشة وابتزازهم للحصول على المال واحياناً للتجنيد والعمل مع جهات امنية واقليمية ودولية ، ورغم ذلك اعتقد ان أغلب الرجال والنساء في الفيسبوك من الشخصيات التي تملك منظومة من القيم والاخلاق ، وما شذ شذ في النار.

مأتم فيسبوك:

لقد تحول موقع فيسبوك اليوم في اليمن الى صفحة للحوادث ومأتم للنياح والصراخ والمواساة وجهاز اعلامي يزودنا بالحوادث وإسماء الوفيات والقتلى والشهداء والمخطوفين واخبار الحرب والفن والامراض وينقل لنا صوراً للموت السريري والعناية المركزة ، بل أصبح حائط مبكى لذرف الدموع والوقوف على الاطلال بصورة صادمة على مدار الساعة ، وكلما اراد الدخول كل منا الى هذه الخدمة يتنامى الى الينا سؤال يعلم الله من غادرنا اليوم من عزيز وصديق أوقريب .

نكاد نجزم اليوم الى ان السيد "مارك زوكر بيرغ" وصفحاته الفيسبوكيه أشبه بزرقاء اليمامة التي تنظر على مسافة ثلاثة ايام بعد ان تحولت صفحاته الجميلة والرائعة الى نذير شؤوم وأقرب الى ملك الموت في مجتمع يمني أقرب الى الجنون ، وللاسف الشديد ان معظم الاطفال والشباب والرجال أصبح مدمن في ساحة الفيسبوك وعلى اليوتيوب وغارق في متاهات الافلام والمسلسلات والاغاني والجنس والبرامج التافهة ، في حين لم يستفد السواد الاعظم من نعمة الشبكة العنكبوتية وثورة الاتصال و عظمة التكنولوجيا والدراسة عن بُعد في كافة مجالات الحياة والحصول على المعلومة والبرامج المميزة والاستفادة من ميزات النت وشبكات التواصل الاجتماعي التي حولت العالم الى غرفة واحدة فيها كل ماتشتهي الانفس وتلذ الاعين .

shawish2@gmail.com

حول الموقع

سام برس