بقلم / مصطفى الفقي
استهوتنى المقارنة بين الوالى محمد على باشا وبين الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات، كل على حدة، واكتشفت أن هناك أوجه تشابه مع كل منهما، وأيضًا نقاط اختلاف واضحة عند المقارنة، فمحمد على وجمال عبد الناصر يتشابهان فى المشروع الكبير ذى الطابع الإقليمى التوسعى لكل منهما، والتأثيرات الكبيرة التى أحدثتها هاتان الزعامتان فى إفريقيا وأعالى النيل والشرق الأوسط والبحر المتوسط.

كما أن المشروع التوسعى لكل منهما قد اقترن بمحاولة للتحديث حققت نجاحات فى البداية، ولكنها انتهت بالانحسار بعد فترة، سواء باتفاقية لندن عام 1840 بالنسبة لمحمد على، أو نكسة يونيو عام 1967 بالنسبة للمشروع الناصرى ذى الطابع القومى الذى جرى إجهاضه وإحداث تغييرات هائلة فى المنطقة بعد ذلك، كما أن محمد على وعبد الناصر يتفقان إلى حد كبير فى التوجهات العلمانية لكل منهما والعصف بالقيادات الدينية، والتركيز على الفصل الواضح بين الدين والدنيا والاكتفاء باستخدام الدين عندما يتعلق الأمر بتركيز السلطة وتمكين الحكم، ونحن لا زلنا نتذكر كيف عصف محمد على بالمشايخ الذين نصبوه وكيف نفى عمر مكرم إلى خارج القاهرة.

وكان ذات الأمر فى المواجهة الأولى بين عبد الناصر والتيار الدينى، متمثلًا فى جماعة الإخوان المسلمين عام 1954، ثم عام 1965 بعد ذلك، فالزعامتان كانتا لا تعتمدان على الشرعية الدينية، ولكن على شرعية الحكم وفقًا لظروف كل مرحلة، كما أن كلا المشروعين قد واجه القوى الخارجية وأرسل قواته خارج حدود بلاده فى محاولة لبسط النفوذ وتحقيق الهيمنة، أما بالنسبة للتشابه بين والى مصر الكبير محمد على والرئيس الراحل أنور السادات فهو يبدو أكثر وضوحًا، فالرجلان كانا على دراية كبيرة بالمتغيرات الدولية والتطورات الإقليمية، ويجيدان اللعب على التحالفات القائمة والقوى الصاعدة، وكان لكل منهما رؤية للمستقبل لا تستند بالضرورة على مشروع فكرى ثابت، ولكن أقرب أوجه التشابه فى نظرى بين محمد على وأنور السادات تأتى فيما يجب أن نتذكره حاليًا بمناسبة الذكرى الخمسين لثورة التصحيح التى استطاع بها السادات أن ينفرد بالحكم، وأن يطيح بخصومه من الناصريين واليساريين فى حركة خاطفة لم تستغرق إلا يومًا أو بعض يوم، عندما اعتقل كل القيادات التى انتقدته أو لم تتحمس لرئاسته من أركان النظام الناصرى، وفى مقدمتهم أسماء مثل على صبرى وسامى شرف وشعراوى جمعة، دون أن تكون هناك مؤامرة حقيقية، ولكن لمجرد الشعور بعدم الأمان فى وجود مثل هذه الشخصيات شريكة فى الحكم واتخاذ القرار السياسى فى المستقبل.

ولقد فعلها محمد على قبل ذلك بمائة وستين عامًا، وتحديدًا عام 1811 عندما تمكن بحركة خاطفة وخلال ساعات قليلة من التخلص من بقايا العصر المملوكى فى مصر، والإطاحة بكبار المماليك فى مذبحة القلعة، بخدعة غير متوقعة عندما دعاهم لحضور حفل توديع ابنه المتجه على رأس قوات فى مهمة عسكرية طارئة، فجاء الجميع ولدى خروجهم بعد الحفل حصدهم البارود من البنادق المحدودة فى ذلك العصر، إلى جانب السيوف التى أعملت نصالها فى رقاب من بقى منهم، وبعدها تفرد محمد على بالسلطة، وحكم هو وأبناؤه وأحفاده فى ظل الأسرة العلوية لفترة امتدت إلى ما يقرب من قرن ونصف القرن.

لقد تذكرت ذلك كله عندما عبرنا الخامس عشر من مايو ذكرى يوم ثورة التصحيح كما سماها الرئيس الراحل السادات الذى يجب أن نعترف بأنه وإن لم يملك كاريزما عبد الناصر، إلا أنه كان يملك رؤية بعيدة فى التعامل مع القوى الغربية، جعلت منه رجل دولة من طراز رفيع على نحو لم يسبقه فيه إلا محمد على، الذى دكت سنابك خيل ابنه إبراهيم باشا هضبة الأناضول وكادت تقترب من عاصمة الخلافة مهددة الدولة العثمانية بخروج أحد الولاة عليها ومحاولة إنجاح النزعة الاستقلالية التى عمل من أجلها.

إننى لا أقول إن التاريخ يعيد نفسه أحيانًا، ولكننى أزعم أن المواقف يمكن أن تكون متشابهة، والأحداث متكررة حتى ولو كانت الشخصيات مختلفة والظروف متباينة والعصر غير العصر، فمذبحة القلعة كانت دموية، بينما حركة التصحيح لم تقترن بإراقة نقطة دم واحدة، فالفارق بينهما كبير على المستوى الإنسانى والأخلاقى والحضارى.

نقلاً عن المصري اليوم

حول الموقع

سام برس