بقلم/ مبارك الخيارين
كثير من الدول النامية التي بدأت في تصنيع السلع الاستهلاكية (غذاء ودواء) بدلاً من استيرادها، هي في الحقيقة انتقلت من ‏استهلاك السلع الاستهلاكية إلى ‏استهلاك السلع الرأسمالية (خطوط إنتاج ومصانع) ‏المستخدمة في إنتاج السلع الاستهلاكية، ‏صحيح أنها أنتجت السلع الاستهلاكية، ولكنها فتحت الباب لاستيراد السلع الرأسمالية من الدول المنتجة لهذه السلع بأسعار باهظة.

يتم الاكتفاء الذاتي الحقيقي في تبني (الصناعة المصنعة‏) والتي تعمل على إنتاج السلع الرأسمالية من خطوط إنتاج ومصانع، والتي بدورها تعمل على إنتاج السلع الاستهلاكية غذاء ودواء وملابس وسيارات وغير ذلك، ‏وهنا نستطيع أن نقول إن الدول ذات الاكتفاء الحقيقي بمقدورها أن تؤثر ولا تتأثر في محيطها الإقليمي والعالمي، وهذا يزيد في رصيدها السياسي وقوتها الناعمة خارج حدودها.

الانتقال من إنتاج ‏السلع الاستهلاكية إلى السلع الرأسمالية يتطلب توافر الموارد البشرية المؤهلة التي تقوم على صيانة وإدارة خطوط الإنتاج، ‏ومؤهلات مهنية وأكاديمية تتناسب مع انتقال الدولة إلى مرحلة تصنيع السلع الاستهلاكية، ‏وهنا جانب مهم يبرز وهو تحضير الموارد البشرية المناسبة قبل اتخاذ قرار الانتقال من استهلاك السلع الاستهلاكية إلى استهلاك خطوط الإنتاج، ‏وقد تعمل بعض الدول على تهيئة وتدريب الموارد البشرية بالتوازي مع هذا الانتقال.

إن الانتقال إلى استهلاك السلع الرأسمالية يجعل مصادر استيراد هذه الدول من المعدات وخطوط الإنتاج محدودة جداً لمحدودية منتجيها، بعكس استيراد السلع الاستهلاكية التي تنتجها الكثير من دول العالم، وهذا فيه مخاطرة استراتيجية واضحة، ولكنها قد تكون مبررة ‏في حال الاكتفاء بالسلع الاستهلاكية، وعدم رهن متطلبات الدولة بيد دول معينة.

إن استهلاك السلع الرأسمالية يؤدي إلى نمو المصانع وخطوط الإنتاج في الدولة، وزيادة فرص العمل المختلفة، وجعل الدولة ذات قاعدة صناعية متنوعة، ‏وهذا يوهلها إلى فرصة زيادة الصادرات، وبالتالي زيادة الفائض التجاري بزيادة قيمة الصادرات على قيمة الواردات، مما يجلب المزيد من العملة الأجنبية إلى خزائن الدولة، ‏وتعزيز قدرة الدولة على شراء السلع الرأسمالية بكل أريحية وتجديد مصانعها ومعداتها.

ولعمل التوازن الاستراتيجي بين (استهلاك) خطوط الإنتاج (وتصنيعها) يُنصح بتحديد نسبة معينة من الإنتاج مجال الصناعة المصنعة، وهي قيام الدولة في تصنيع بعض خطوط الإنتاج، وتصنيع أجزائها المختلفة لبعض خطوط إنتاجها الرئيسية، والعمل كلما أمكن ذلك على زيادة النسبة، حسب جدواها الاقتصادية والتجارية والاستراتيجية.

وأخيراً ‏أؤكد بأن الموارد البشرية هي أساس كل قرار يتم اتخاذه في مجال الاستهلاك والإنتاج، فمتى كان لدينا كوادر مؤهلة استطعنا الانتقال من مرحلة إلى أخرى بكل سهولة، والله الموفق والمستعان.

نقلاً عن العرب

حول الموقع

سام برس