علي البخيتي
كتبت قبل أيام مقالاً بعنوان "عندما تضع قطر بيضها بالكامل في سلة الإخوان", تحدثت فيه عن أسباب صعود الدور القطري وأسباب انهياره المفاجئ, وكيف خسرت قطر في أشهر ما بنته في عقود, وأصبحت قطر معادية للكثير من الدول والتيارات السياسية.

بالأمس حدث متغير جديد وخطير في نفس الوقت, فقد سحبت ثلاث دول خليجية هي السعودية والإمارات والبحرين سفراءها من قطر احتجاجاً على عدم التزامها باتفاق وقع مؤخراً نص على عدم تدخل أي دولة في شؤون دول المجلس الأخرى.

يعتبر الشيخ المصري الإخواني يوسف القرضاوي سبباً رئيساً في هذا الصدع الخطير في علاقات بعض دول الخليج مع قطر, فقد بدأت المشكلة تتفاقم بعد مهاجمته لدولة الإمارات بسبب دورها في دعم النظام المصري الذي يخوض حرباً ضروساً ضد الحركة الأم للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين.

كما أن قناة الجزيرة وسياستها الداعمة للإخوان والتي تعتبر رأس الحربة في ماكنتهم الإعلامية على مستوى العالم تثير بين الحين والآخر الكثير من المشاكل, خصوصاً أن دولاً مثل الإمارات والسعودية تشعر بتهديد وشيك على أنظمتها من المد الإخواني المتنامي داخل أراضيها تحت غطاء الدعوة ومشايخ التويتر والفيسبوك والبرامج الدعوية والذي تكلم عنهم الإعلامي السعودي داؤود الشريان قبل أسابع.

تقول بعض التسريبات إن الإمارات والسعودية تتهمان الشيخ القرضاوي بأنه وعبر شركاته وعقاراته الاستثمارية الهائلة في قطر يقوم بعملية غسيل أموال لصالح التنظيم الدولي للإخوان ويمول من خلالها أنشطتهم في مصر والإمارات والسعودية ودول أخرى.

وبما أن قطر ضمن مجموعة مجلس التعاون الخليجي فإن تدفق الأموال منها إلى باقي الدول مُيسر بموجب الاتفاقات الاقتصادية الموقعة بين دول المجلس, وذلك تحديداً ما جعل الإمارات تراقب عن كثب الحوالات المصرفية بينها وبين قطر بعد إمساكها بخيوط تدل على وجود روابط بين خلايا إخوانية تعمل على أراضيها وأموال مصدرها الدوحة.

صانع القرار القطري لم يشعر بعد بخطورة الموقف وتطوراته المتلاحقة, فعزلة قطر امتدت من دول تبعد عنها مئات الكيلومترات كمصر وسوريا إلى دول ملاصقة لها تماماً, بل إنها الطوق البري والبحري والجوي لها, وذلك الحصار نتيجة حتمية للسياسة القطرية الكارثية خلال الثلاثة أعوام الماضية.

كان المواطن العربي البسيط يتعصب مع قطر بطريقة لا إرادية في أي نزاع مع السعودية, ويتضامن معها, اليوم تغيرت المعادلة كلياً, فأغلب الرأي العام العربي إما مؤيداً للسعودية والإمارات أو محايداً في الصراع, ومن يقف مع قطر هم أعضاء التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في مختلف البلدان بحكم رابط المصلحة والدعم.

هنا يجب أن يعيد حاكم قطر حساباته, ويسأل نفسه، هل بإمكانه أن يواجه كل هذه العزلة التي بدأت تخنق قطر بعد امتدادها إلى دول الجوار؟ وهل تَبَنِي التنظيم الدولي للإخوان المسلمين يستحق أن يضحي بِحُكمِه وبقطر دولة وشعباً؟

مواقف قطر المساندة للإخوان سياسية وليست أيديولوجية, بمعنى أن الأسرة الحاكمة في قطر ليست إخوانية ولا حتى متأثرة فكرياً بهم, لكنها فتحت المجال للإخوان على أراضيها لمواجهة المد الوهابي السعودي, لتصنع لنفسها هوية فكرية دينية مختلفة عن السعودية, كنوع من المقاومة السياسية للدور السعودي في قطر, لكن الأمر تعدى ذلك إلى أن أصبحت قطر مركزاً لهذا التنظيم الذي يهدد أنظمة الدول المجاورة, وبدلاً من أن تسعى قطر إلى حماية أمنها واستقلال القرار فيها وجدت نفسها فجأة قد بالغت في استضافة هذا التنظيم الدولي إلى أن أصبحت هي التي تهدد جيرانها.

هناك أمير جديد في قطر, والجميع ينتظر بصمته على السياسة القطرية, لتنسجم مع المصالح الاستراتيجية لقطر شعباً ودولة, ويعيد لقطر دورها الريادي ما قبل 2011, والذي كانت تتبنى فيه قضايا الأمة، لا قضايا التنظيم الدولي للإخوان, فقطر أكبر من أن تحصر نفسها وتربط مصالحها بتنظيم دولي يخوض صراعات وحروباً مع أغلب الأنظمة العربية, وهناك مثل يمني يقول "لا تربط حمارك جنب حمار المدبر", أتمنى أن يصل هذا المثل الشعبي لأمير قطر الجديد.

حول الموقع

سام برس