بقلم/ د. آيات الحداد
يزداد التحرش يومًا تلو الآخر بطريقة يندى لها الجبين! وتعقيب البعض عقب كل واقعة بضرورة تغليظ العقوبة! فلا يعلم البعض أنه تم تعديل قانون العقوبات في عام 2018 ، فنصت المادة 306 مكررا (أ) على أن: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير فى مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأى وسيلة بما فى ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية".

كما تمت إضافة مادة جديدة برقم 306 مكرراً (ب)، وبرغم ذلك لم ينته التحرش ولن ينتهي إلا بتغيير الفكر والثقافة، فهناك شقان في موضوع التحرش، شق متعلق بالجاني المُتحرش والمجني عليه وهو المتحرش به، نبدأ بالمُتحرش به وهي المجني عليها والتي تتحول عقب كل واقعة إلى جانية! فالبعض ينظر للفتاة المُتحرش بها على أنها هي دائمًا الخاطئة بسبب ملابسها! فماذا عن التحرش بالأطفال الذي يزداد يومًا تلو الآخر؟!

وناقش البرلمان الأسبوع الماضي مشروع قانون بتغليظ عقوبة التحرش وتحويلها من جنحة لجناية وهي بالطبع خطوة إيجابية وعلى نهج العديد من الدولة التي شَرَعَت بتغليظ عقوبة التحرش مثل السعودية والإمارات، ولكن الأهم ليس فقط تغليظ العقوبة بل معرفة أسباب انتشار تلك الظاهرة خاصة كثرة حالات التحرش بالأطفال ومحاولة معالجة تلك الظاهرة بالوعي والفكر قبل القانون، فالبعض تعوّد على التحرش بأي بنت تسير سواء باللفظ أو باللمس، فأصبحت عادة بالنسبة له أو شيئًا عاديًا يفعله كل يوم!

ولا يرى في فعله جريمة، فماذا عن الحل؟ القانون وضِعَ حتى يخشى الفرد من ارتكاب الجريمة لأنه يعلم أنه سيعاقب عليها ورادع لكل من تسوّل له نفسه ارتكابها وعبرة للغير لعدم ارتكابها، ولكن جريمة مثل التحرش والتنمر القضاء عليها يأتي من الجذور أي تغيير الفكر والثقافة بدءًا من الأسرة بتربية أبنائها على احترام الغير وعدم التدخل في شئون أحد، واحترام الرجل للمرأة، وعقاب الراجل إن قام بفعل مُناف للأخلاق وليس تشجيعه والفخر بما فعله! وتربية البنت على أن لكل مقام مقالًا! فلكل مكان زيّ مناسب له، وتوخي الحذر دائمًا! حتى لا تُصبح جانية وهي حسنة النية! ثم يأتي دور الدراما لتتناول تلك الظاهرة من جميع جوانبها، ففي الحقيقة بالفعل لدينا فيلم المغتصبون الذي أراد المخرج أن يوصل رسالة لكل فتاة بألا تترك الضحية حقها، فليعلم الجميع أن التحرش بكل دول العالم، فدولة مثل الهند تُعاني من ظاهرة التحرش والاغتصاب وفي عام 2016 تم إصدار فيلم"pink " تناول مشكلة التحرش والاغتصاب ولكن من زاوية مهمة للغاية وهي نظرة الرجل للمرأة واستباحة فعل ما يريده بها لمجرد تواجدها بمكان ما في وقت معين أو ارتدائها ملابس بنظرهم تُبيح له فعل ما يريدونه!

والفيلم مُقتبس من قصة حقيقية مما جعلني أسترشد بها في مقالي وهو قيام بعض من الرجال بالتحرش ومحاولة اغتصاب 3 فتيات وفي النهاية تم الحكم على الرجال وبراءة الفتيات بسبب قيام إحداهن بضرب الجاني فأحدثت به إصابة نتيجة دفاعها الشرعي عن نفسها،فالتحرّش الجنسي هو:

"أي صيغة من الكلمات غير مرغوب بها أو الأفعال ذات الطابع الجنسي والتي تنتهك جسد أو خصوصية أو مشاعر شخص ما وتجعله يشعر بعدم الارتياح، أو التهديد، أو عدم الأمان، أو الخوف، أو عدم الاحترام، أو الترويع، أو الإهانة، أو الإساءة، أو الترهيب، أو الانتهاك أو أنه مجرد جسد"، فكم أتمنى أن يتصدى المُجتمع ككل لظاهرة التحرش وتغيير مفاهيم كثيرة أهمها أن الله لم يُفرق في العقاب بين الرجل والمرأة، فلنتوقف على اعتبار بعض الأفعال حلالًا على الرجل وحرامًا على المرأة مما جعل الرجل يستبيح فعل ما يريده ولا ينظر المجتمع له على أنه جانٍ والنظر دائمًا للمرأة على أنها مّذنبة حتى ولو كانت بريئة! فكل فعل حرمه الله تم تحريمه على الراجل والمرأة، فيجب أن يتعلم الجميع مفاهيم الدين حتى نستريح وتتلاشى جميع الجرائم النابعة من ذلك الفكر الخاطئ، كما أنه من المهم عقب إصدار قوانين تعالج الظواهر المستحدثة مثل التنمر والتحرش أن يتم نشر فيديوهات توضح نظام مكافحة التحرش وحث كل من تعرض للتحرش أن يبلغ الجهات المختصة، وتوضيح أن تنازل المجني عليه لا يحول دون حق الجهات المختصة في اتخاذ ما تراه محققًا للمصلحة العامة. لأن الأهم من إصدار القانون توافر آليات تنفيذه ومن آليات التنفيذ تشجيع المجني عليهم على البلاغ وكيفية البلاغ ومن المهم أيضًا تعاون مباحث الانترنت في الكشف عن هوية الجناة المتحرشين في حالة كان التحرش عبر مواقع التواصل الاجتماعي حتى لا يفلت الجناة من العقاب بمجرد إغلاق الحساب وسرعة إجراءات التحقق في جرائم التحرش مهمة أي أن الوقت يلعب دورًا مهما في قضايا التحرش ويحقق الردع العام كما يجب أن تُدرس تلك الآية في جميع المدارس والجامعات:" يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" حتى يصبح لدينا جيلًا سويًا نفسيًا يعلم أن الله لم يفرق في العقاب بين الراجل والمرأة.

عضو مجلس النواب

نقلاً عن الاهرام

حول الموقع

سام برس