بقلم/ جمال رائف
باتت المعضلة الإثيوبية عصية على الحل، بعد أن تأزم الوضع داخليًّا بما يهدد بانفجار يفتت الفيدرالية الهشة التى فخخها آبى أحمد بأطماعه فى السلطة، ولم يتعلم من درس منجستو الذى فر هاربًا أمام جبهة تحرير تيجراى.

قد يعتقد البعض أن المشهد الإثيوبى العبثى الذى نتابعه اليوم مستجدًا على الساحة الداخلية الإثيوبية، بل بالعكس هو تكرار لسيناريو حدث فى تسعينيات القرن الماضى، حينما زحفت قوات جبهة تحرير تيجراى، والتى قادت تحالفات مع جبهات أخرى مثل جبهة تحرير أورومو لإسقاط "منجستو هيلا مريام" الذى سيطر على حكم إثيوبيا عقب الإطاحة بالإمبراطور "هيلا سيلاسى" سبعينيات القرن الماضى، بعد أن تخلص من صديقة "أمان عندوم" الرئيس الأول للمجلس العسكرى الانتقالى.

حاول منجستو بعد ذلك الاتجاه بإثيوبيا إلى الاشتراكية كخطوة تصل به لهدفه نحو تحويل نظام الحكم إلى النظام لمركزى، وهو ما تعارض مع طموحات الجبهات التى تشكلت لمقاومة حكم الإمبراطور فى السابق، والتى كانت تسعى نحو المزيد من الاستقلالية تتحقق بنظام حكم فيدرالى، بل كانت الطموحات لدى الإقليم الإريترى أكثر من ذلك، فاستقل فى تسعينات القرن الماضى عقب سقوط نظام منجستو على يد جبهة تحرير تيجراى التى كانت تقود المعركة.

السيناريو ذاته يتكرر اليوم بعد أن أعلن آبى أحمد عن حزبه الجديد الإزدهار كبديل للجبهة الثورية الديمقراطية التى أسست لفترة حكم بعد منجستو، والتى أتت "بملس زيناوى" كأول رئيس وزراء للإثوبية التى اختارت النظام الفيدرالى للحكم حفاظًا على خصوصية واستقلالية الأقاليم الخمس.

رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد دشن حزبه تحت شعارت الدولة المركزية، وخطط لتعديل الدستور لإلغاء المواد التى تعزز من النظام الفيدرالى، كالنص الدستورى الذى يسمح لأى من الأقاليم الإثوبيية حق تقرير المصير والانفصال كدولة مستقلة، أيضا تخلص من صديقة الذى عارضه فى هذه الفكرة جوهر محمد، وبدأ حملات الاعتقال، وشن حملات عنف ضد إقليم أورومو وغيره من الأقاليم لترهيب الشعوب الإثوبية، حتى انفجرت الأوضاع فى إقليم تيجراى الذى رفض قرار حكومة أديس أبابا بتأجيل الانتخابات الداخلية بحجة جائحة كورونا، فقرر آبى أحمد شن الحرب على الإقليم، الذى رفض الانخراط فى حزب الإزدهار متمسكًا بالنظام الفيدرالى.

وها هى جبهة تحرير تيجراى تزحف نحو أديس أبابا لتزيح بآبى أحمد.. كما أزاحت من قبل بمنجستو، لتبقى إثيوبيا بين الطموحات السياسية والرغبات الإثنية للأقاليم، صريعة هذا النزاع، ليدفع المواطن الإثيوبى نفسه الثمن، هذا المواطن الذى وعِد بالتنمية فوجد الخراب، وخدع بنوبل للسلام فوجد الدمار فى كل مكان، ليسكن الآن الشتات منتظرًا الإعانات والمساعدات من الخارج بعد أن ضاقت الأحوال الاقتصادى نتاج الصراع السياسى.

ولكن، الأخطر من هذا أن الأوضاع فى الداخل الإثيوبى ستنعكس بالسلب على منطقة القرن الإفريقى بالكامل، لتزيد من تعقيدات المشهد هناك الأمر الذى يهدد السلم والأمن الإقليمى، ويستوجب وقفة جادة من المجتمع الدولى حتى لا ينفرط عقد القرن الإفريقى ويحدث ما لا يحمد عقباه.

نقلاً عن مبتدا

حول الموقع

سام برس