بقلم/ علي عبيد الهاملي
كان البابا ألكسندر السادس قد استدعى كلاً من عالم الفلك البولندي كوبرنيكوس ومعلمه عالم الرياضيات نوفارا، لاستشارتهما في مشروعه الإصلاحي الذي يقضي بإحداث تغيير شامل في البنية الكنسية، والذي سبق أن طرحه على الكرادلة ولقي تحفظات ومعارضة واضحة من معاونيه ومستشاريه، كونه يقضي بسحب الأرباح والامتيازات التي يتمتع بها الأساقفة والكرادلة وكل من يدير المصالح الكنسية، وألّا يستغل أحد تلك الموارد التي تثري الكنيسة كالصدقات. هتف عالم الفلك البولندي الشاب: «حسناً، كان هذا متوقعاً.

لقد اعتاد الأساقفة هذه الامتيازات منذ عصور. كنت أقرأ قبل أيام تاريخ مجمع نيقية عام 325 ففهمت كيف ولماذا طرأ التغيير الكبير على الكنيسة، ونقلها من جمعية فقيرة ومضطهدة إلى هيئة رومانية مقدسة في خدمة الإمبراطورية».

تواصل الحوار بعد ذلك بين البابا والعالمين البولنديين مستعرضاً مرسوم ميلانو، الذي وقعه كل من قسطنطين العظيم وليسينيوس الأول، والذي أعطى الأساقفة الذين يصوتون لتحويل الكنيسة إلى كنيسة محمية امتيازات واسعة.

تحمس كل من كوبرنيكوس ونوفارا لمشروع البابا الإصلاحي بعد أن استمعا إلى تفاصيله. نهض البابا حينها وهم بالمشي جيئة وذهاباً في المكتب، كأنه يحاول ترتيب أفكاره. توقف فجأة ونظر إلى الأعلى قائلاً:

«أتعلمان بما أفكر؟ من المستحيل تشييد بناية حديثة على أساسات بناية قديمة لم تعد قادرة على أن تشكل ركيزة صالحة. لعل مظهرها لا يزال جباراً، ولكن من الصعب تحويلها إلى شيء آخر». سأل كوبرنيكوس:

«ماذا تقصدون بكلامكم؟ هل إن الطريقة الوحيدة المعقولة تكمن في هدم البناية كلياً والبدء بإعمارها من جديد؟». رد البابا: بالضبط. يقال إن الإمبراطورية الرومانية انهارت؛ ولكن ما تم بناؤه ثانية كان أسوأ مما بني في السابق بكثير. لماذا؟ لأنه بني على الأساسات القديمة نفسها. ولذا، حين نقول «من جديد» نعني من الصفر تماماً.

نقلاً عن البيان

حول الموقع

سام برس