بقلم / محمد عبدالوهاب الشيباني
كنا نبدأ بمراقبته ابتداء من قبيل ظهر يومي الأثنين والخميس ، ونستدل عليه من صوته القوي وهو ينادي على بضاعته الخضراء الطرية الموضوعة في خرج (شوال) من الكتان مفتوح من الجهتين يضعه على ظهر حمار ، نعرفه هو الأخر من نهيقه العالي.

كان اسمه (سالم) يصل إلى القرية ظهراً، وأحيانا بعد الظهر بقليل ،بعد أن يكون قد جاب معظم القرى في المحيط ، وحمل معه فطيره وما تجود به عليه نساء القرى . كانت بضاعته التي يجلبها من مناطق بعيدة تقترب من بني حماد مرغوبة جداً عند القرويين، وتمثل وضعاً استثنائياً على المائدة الفقيرة ، اذ تؤكل على العصيدة في الغالب ، ولا تكتمل المائدة إلاَّ بها، أو تصير متلازمة مع أكل الفطير بغير ما إدم عند كثيرين .

كنا نراه يوم السبت في سوق المنطقة المشهور(سوق السبت) وهو يزاحم بائعي نفس البضاعة ، ومعه إلى جانب الكراث فجل أبيض (بقل) وكزبرة برائحة نفاذة، في الغالب لا يحضرهما معه حين يجوب القرى الاَّ بطلب خاص لمن يريد.

في آخر زيارة لي إلى القرية رأيت مكرِّثاً ،مكافحا يعمل بيد واحدة واسمه عبدالله غير ذلك الذي ارتبط بذاكرتي قبل نصف قرن، لكنه هو الآخر سرعان ما أحالني إلى تلك الأيام حين كان للكراث والعصيدة والحقين والحلبة مذاق يصعب الوصول إليه في المدينة ومعلباتها وأمراضها.

من صفحة الكاتب بالفيسبوك

حول الموقع

سام برس