سام برس/ تونس/ شمس الدين العوني
رحلة شيقة بين الرسم و التلوين و الكتابة للأطفال حيث العنوان اللافت "أسيل في بلاد العجائز" ..
لوحات وقصص خيالية تأخذنا الى رحاب الخيال في عوالم عجيبة ومفعمة بالقيم التربوية والتعليمية.

ها هي الكلمات تنحت مجاريها مثل نهر قديم ينحت قادم مداه في الصخر..ثمة فكرة للكتابة و حلم ...و تلوين حيث المعاني تعانق أسرارها المنبثقة من الدواخل...حيث طفولة ناعمة تنهض بكبرياء الأيام و صخبها و عنفوان آمالها..

ها هي الطفلة الكامنة في التواريخ تلهو بالأيام في سردياتها المتحركة بين ألوان شتى...البراءة و الفرح و الشجن الدفين..ليس للحكاية هذه من نظر سوى البحر و هو يبعث موسيقاه لينهض الأطفال على ايقاعاتها الشجية ينطلقون نحو حقول الحياة لا يلوون على غير القول بالنور ... تماما مثلما فعلت " أسيل " في مسيرتها المفعمة بالأمل و البهاء..هي فسحة الأحاسيس حيث لا مجال لغير الذهاب الجميل باتجاه النجمة...باتجاه الحلم... باتجاه الحياة الرائقة..تقصدا للجمال المقيم بين حرف و لون ..بين المعاني الكامنة في التلوين و الكلمات.هكذا هي لعبة الوعي الجمالي عند الكاتبة و الفنانة التشكيلية المجتهدة هادية بوخروبة التي تخيرت من سنوات وفق مسيرتها الغوص في عوالم السرد بين الكتابة للأطفال و الفن التشكيلي خيث قدمت العذيذ من القصص المرسومة بأناملها و كذلك المعارض الفنية التشكيلية سواء من خلال المعارض الشخصية أو المعارض الجماعية ..تبدع و تبتكر و تجتهد مثل أطفال جدد و بلا ذاكرة ..مسيرة مميزة و تتويجات و تكريمات بتونس و خارجها..هاهي البراءة في عنفوان تعبيريتها الجمالية المعنونة بالبهاء هذا القاذم من شواسع الذات ليقول على لسان " أسيل " ما به يسعد الكائن و يمضي في شجنه المولد و الدافع على / الى الحياة في كثير من الرسم و الحكايات و القصص..فنانة و كاتبة قول بجماليات العلاقة بين الرسم و الكتابة للأطفال و اليافعين تنحت من ضحكاتهم تماثيل للحلم و الفرح .

و من قصة " أسيل في بلاد العجائز " تأليف ورسوم هادية بوخروبة نذكر هذا الجزء "...ضحكت أسيل ضحكة ملؤها السماء والأرض، وأخذت تغنّي وتنشد ببراءة حلّقت في رحاب السماء، وظلّت تشدو وتختال بخطواتها الصغيرة ذهابا وإيابا وسرعان ما أخمدت شعلة غنائها زهرة براقة تشعّ نورا، باسقة تحت جذع الشجرة، ترقص للنسيم في نشوة وولع، زهوا وفرحا. وكأنّها تتباهى برحيقها الأزرق السّاطع تحت ضوء الشمس.لبثت أسيل تحدّق بالزهرة، فكانت كلّما حرّكها الضوء لتنظر نظرة المستكشف إلى البريق الأزرق الذي يخطف الأبصار وكأنه زمرد في أصفى أوقاته. وسرعان ما تحوّلت دهشتها الى حبّ امتلاك. فمدّت يدها الصغيرة نحو الزهرة وقطفتها دون تردّد...". نعم للابداع تلوينات متعددة حيث السفر بين أشكال فنية و أدبية بمثابة التجوال المفتوح على الذات و هي تمضي في حوارها مع العالم بكثير من لوعة البحث و حرقة الأسئلة و هذا مجال الفنان الباحث عن رؤاه و ظلالها في كون متغير و عوالم متحولة..و من ضمن أنشطتها بين الكتابة و الرسم كانت مشاركتها المتعددة التواريخ في فعاليات ملتقى المبدعات العصاميات في التعبير التشكيلي بالمنستير و بمن أخرى بشأن الفن و الكتابة و الورشات المتصلة بذلك مع الأطفال..و قد اهتم بتجربتها في الكتابة و التأليف و الرسم عدد من الكتاب و النقاد من تونس و من عدد من البلدان العربية فضلا عن الجوائز التي نالتها ...وبين الكتابة للأطفال و الرسم تواصل الفنانة التشكيلية و الكاتبة هادية بوخروبة تجربتها الابداعية بكثير من الحرص ايمانا منها بدور الكتابة في حياة الناس و الفن التشكيلي و ما يحمله من رسائل حضارية..و سبق أن قدمت عددا من لوحاتها في معارض منها معرض المركب الثقافي بالمنستير ...و تعمل الفنانة هادية في لوحاتها و كما ذكر ذلك الفنان الكبير الهادي التركي على " حساسية حالمة وشعر للقول بالعبارة..." .لوحات الرسامة هادية بوخروبة تمثل حيزا من تجربتها حيث كانت لها مشاركات متعددة في تظاهرات فنية تشكيلية و معارض جماعية و فردية فضلا عن تجربتها مع الكتابة و البرامج المختلفة التي منها حكايات و قصص مكتوبة للأطفال .معرض أسطورة هو بمثابة السفر القديم المتجدد في ميثولوجيا الانسان الذي لا يمكنه الا أن يتقن لعبة الحلم بوجه السقوط و الانكسار و التداعيات المربكة..معرض بكثير من البراءة و البساطة و الصدق فيه بانوراما من تفاعلات فنانة مع هواجس ذاتها تجاه الآخرين..تجاه العالم.. و عن تجربتها تقول الكاتبة سارة الرمضاني "... هادية بوخروبة فنانة تشكيلية تونسية عصامية، تعمل في تصميم الجرافيك، بكالوريا اقتصاد وتصرف وتحمل شهادة في تصميم برامج الكمبيوتر. تحمل عضوية اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين، وعضوية الاتحاد الدولي للفنانين التشكيلين العرب بجمهورية مصر.فتلك الموهبة التي تسكنها فطريا جعلتها تبتعد كل البعد عن الاختصاص الذي درسته دون الالتفات إلى الوراء مقبلة بكل وجدانها نحو عالم الإبداع.بدأت أولى مشاركاتها الفنية سنة 2003 ولها سبع معارض شخصية وما يزيد عن 25 مشاركة فنية جماعية داخل الدولة وخارجها، ولها عديد الجوائز التقديرية، إضافة إلى إصدارها لقصة أدبية تحت عنوان "أسيل في بلاد العجائز" وهي قصة خيالية تأخذنا في رحاب الخيال وتطوف بنا في عوالم الأحداث العجيبة دون إهمال للواقع مبثوثة بالقيم التربوية والتعليمية.ما لفت انتباهي.. أنا كقارئة لقصّتها، تلك البلاد التي زحفت عليها الشيخوخة بما فيها. جعلني أتساءل، هل الشيخوخة وطن بأكمله طغى عليه سنّ اليأس الجماعي وملك القدرة على جعل العجائز يكبرن ويهرمن في بضعة أيام؟؟ هل الملل والضياع والرتابة جزء من العجائز أم من مواصفات البلاد؟؟
قصّة عجيبة تفوق الروعة في بلاد لازمتها الشيخوخة بليال مظلمة متكرّرة وبصبح واحدا.

تقول هادية بوخروبة عن قصّتها "أسيل في بلاد العجائز" أنها لحظات من الخدر واللاّوعي، خرجت من ذاكرة تعب وحزن وواقع مظلم في بعض زواياه كلوحة فنية تزينها الظلال تحمل في طيّاتها الفرح والتفاؤل وتوقظ الطفولة داخل كلّ منّا...وتقول أنّ الإبداع بحر شاسع.. طالما تنبض الروح بالإنسانية والوجد، فهو كائن حي يتخبّط بداخلنا وينتظر لحظة المخاض...أما الأديبة فاتن الحاج صالح فقد حدّدت في قراءتها النقدية ملامح القصّة عند بوخروبة فأشارت إلى التناص الذي يبدأ من عنوان الكتاب مع القصة العالمية الشهيرة (أليس في بلاد العجائب)... ما أعسر أن يكتب راشد لطفل فهذه الكتابة تتطلّب درية ودراية مثلما تتطلّب وعيا ورقابة ذاتيّة.وما نلاحظه هنا في هذه القصّة أنّ الكاتبة على تكوينها العصامي قد أفلحت في تحقيق المعادلة الصحيحة بين حرّيته في ممارسة فعل الكتابة وتفهّم حاجيات المتلقّي/الطفل. فهادية بوخروبة قد اكتنزت قصّتها بجماليات النصّ القصصي من جانب واكتنزت روحه باحترام المتلقّي/الطفل من جانب مواز، حيث تمارس هنا كتابة مخصوصة ذات جمالية مخصوصة تمنح الأطفال زادا إبداعيّا مختلفا...".و تقول هادية بوخروبة ككاتبة وفنانة تشكيلية بخصوص لوحة من لوحاتها ".. طموح .. رقصات أنثى خالدة .. الفن فسحة من التفاعلات مع ذاكرة الفنان، واللوحة تدوين فني لمشاعر وأحاسيس تكتب بالألون. هي لوحة تجسّد شخصية أنثى أرهقها القاع وأرهقتها الضوضاء حتى اعتزلت الأصوات وتوسّدت عراقيلها وقيودها ووجعها ... فلا سبيل لطيّها وتجاهلها بل من الأفضل هدهدتها ومصاحبتها حتى صار كل ما يؤلمها معلّما تتعلّم منه وصديقا تحنو عليه وترافقه... فاحتضنت أحلامها وهواجسها ... ونظرتها متطلّعة للأعلى ... نظرة مفعمة بالتطلّعات ... أخذت شكل التفكير بعمق لترتقي إلى القمّة.

فتنقسم اللوحة إلى نصفين وتتكامل بتناقضاتها فتتجلّى اللحظات بحلوها ومرّها ... بوجعها وفرحها ... بتعبها وراحتها... وتسافر بقيودها وحرّياتها ... هنا يتموّج الأصفر المشرق لتسطع الشمس وتلفّ روحها بهجة، في تحاور مع الطبيعة لتهديها السماء فراشة تحمل في طيّاتها الفرح والتفاؤل تستجلي أنوثتها وهشاشتها وتدعوها لاعتناق الجمال والحريّة وتذكرّها بأنّ الحياة عابرة وعلينا عيشها بشكل جميل وسهل. ومن جانب آخر تفيض السماء بلون وردي ... لمسة حنان عانقت الضوء تكسر كلّ قيودها .. فيطلّ طائر ذكرياتها من ذاك الشرخ يتسلق القمّة ويركل القاع ... ليوقظها على حب الذات... ".

كتابات سردية للأطفال و لوحات مفعمة بالتلوين و الحكايات بينها كلها حلم يانع و شجن أزرق من أعماق بحر في عشايا الأيام حيث الزخرف الجميل يحلي يدا تكتب مابه اللون يصير فسحة للأمل و الجمال و الابداع.تجربة مفتوحة على مزيد الكتابة و المعارض و الانتشار في تونس و خارجها.

حول الموقع

سام برس