سام برس/ تونس/ شمس الدين العوني
استذكار تجربة علي بلاغة و أعمال جديدة "قبة الهواء بالمرسى" و حفل باب سويقة " و "الباطوار القديم" و "ساحة العاصمة ".. تلوينات و نظرة جديدة..

في لوحاته جماليات تتقصد الذاكرة و العراقة و الأصالة و تمدح الينابيع...وفق لعبة الذاكرة..

في الفترة من يوم الجمعة 4 فيفري الجاري الى غاية يوم 25 من ذات الشهر يعرض الفنان التشكيلي صاحب التجربة المميزة مع الرسم عزالدين البراري حوالي 65 لوحة مختلفة الأحجام ضمن عهنوان لافت هو " أيام زمان " و ذلك برواق الفنون بمتحف قصر خير الدين بمدينة تونس العتيقة بالتعاون بين اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين و متحف خير الدين التابع لبلدية تونس و بادارة الفنانة التشكيلية سعاد المهبولي..

و هذا المعرض الحدث سيكون بمثابة الاهداء للفنان الراحل علي بلاغة صديقه و ذلك على سبيل التكريم و يضم عددا من اللوحات الفنية للبراري منها لوحات جديدة اشتغل فيها على أمكنة و مشاهد من تونس في مجال من الذاكرة وفق جماليات مشهدية تبرز العراقة و الحنين و طابع السوسيو-ثقافي المميز لتلك الحقب و الفترات التي بدت فيها و خلالها هذه المناظر و المشاهد .

هذا الى جانب لوحات فيها تذكر و استلهام تجاه تجربة الفنان الكبير الراحل علي بلاغة الذي طبع الساحة الفنية التشكيلية بخصوصيات تجربته الجمالية و هو أحد أبرز فناني تونس و أحد أبرز عناصر جماعة مدرسة تونس التي فيها نجد بوشارل و التركيين الهادي و الزبير و عبد العزيز القرجي و عمار فرحات و غيرهم...و قد عرف الفنان علي بلاغة بأسلوبه الفني و مواضيعه المتصلة بالذتكرة الثقافية الشعبية حيث نجد الحكاية و الخرافة و الموروث الشعبي بما فيه من فنطاستيكية و ملحمية ...و الفنان علي بلاغة ( 1924 -2006 ) نشأ بمدينة تونس ضمن بيئة فيها الحرق و سافر إلى فرنسا لينضم الى مدرسة الفنون الجميلة بباريس و بعد انهائه للدراسة هناك انضم الى ورشة "جودون" ليتشبع أكثر بفنون الحفر الحديث و مارس عمل الخزف عند " كانيفاي " و تعلم فنون التزويق. سافر علي بلاغة لأجل الفن الى عدد من المدن الأوروبة و الى أمريكا و عدة بلدان شرقية وكذلك الصين والهند فضلا عن الجزائر و المغرب و مصر و العراق و سوريا و بدأ المعارض ليكون معرضه الشخصي سنة 1953و أدار بلاغة للصالون التونسي و اتّحاد الفنّانين التشكيليين التونسيين الذي ساهم في تأسيسه و نشط مع قناني مدرسة تونس ..الفنان التشكيلي عز الدين البراري يكرم علي بلاغة في هذا المعرض و هذا ضرب من الوفاء حيث كانت هناك علاقة فنية و انسانية بين علي بلاغة و البراري الذي تعرف اليه و هو في بداياته و في مرحلة الهواية ليعجب فيما بعد بلاغة بعمل و أسلوب عزالدين البراري ليقدمه الى الساحة التشكيلية مؤمنا بفنه و تجربته..و البراري يتواصل مع هذا الوفاء تجاه بلاغة ليكرمه في هذا المعرض بالنظر لتجربته المميزة جماليا و فنيا و أثره في تجربة مدرسة تونس و المشهد التشكيلي التونسي و العربي.

اللوحات الفنية الجديدة للبراري فيها اشتغال جمالي على مشاهد بما فيها من حيوية و ذلك وفق نظرة كتجددة من حيث تخيل و تصور الفنان..لوحة "قبة الهواء " بالمرسى و فترة السبعينيات حيث حفلات الفنان علي الرياحي و الما قبل السهرة من تفاصيل لونت قكرة الفنان و هو يستذكر المكان و الأحوال..و لوحة ( المركاض ) و مختلف الأجواء التي تميز بها المكان العريق ..

كذلك لوحة الاحتفال في بطحاء باب سويقة عند مدخل نهج القعادين و البهجة في الوجوه و المعمار بجماله ..و لوحة المسلخ البلدي (الباطوار) حيث كانت تباع الخرفان فترة العيد و تعدد الصور داخل اللوحة بما يجعل منها وحدة جمالية متكاملة و ممتعة لونيا و بصريا هذا المكان المعلم القديم الذي صار الآن المأوى للسيارات و العربات و الدراجات بأنواعها المحجوزة ...لوحة أخرى قي هذا المعرض في حركية يومية و حديثة بين الكاتدرائية و سفارة فرنسا بتونس و تمثال العلامة عبد الرحمان ابن خلدون و مرور عربات مترو تونس و المارون من هناك من الناس كل ذلك وفق ما يستبطنه الفنان البراري من نظرات للأشياء و الأمكنة و حالاتها الشتى ...لوحات أخرى سابقة للفنان البراري في هذا المعرض عرف بها في معارضه السابقة بصالونات اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين و معارضه الخاصة يجمع بينها أسلوب و نظرة يعمل ضمنهما البراري من سنوات.

و الأعمال السابقة للفنان البراري التي ينجزها في مرسمه بمقر سكناه بحي عريق من ضواحي تونس و قريبا من باب سيدي قاسم الجليزي و رأس الدرب و المركاض و سيدي محرز و القشاشين و جامع الزيتونة المعمور و...المدينة العتيقة لتونس..يعيش البراري في المكان الذي هو أشبه بالخلوة للفنان ..في المرسم رفوف مكتبة و كتب و مخطوطات و صحف و مجلات و في الوسط تجلس اللوحات بمختلف أحجامها و ألوانها و مواضبعها و لكن يجمع بينها عطر الرسام عزالدين البراري الذي هو العنوان الكبير لهذه الشواسع الفنية..يرقب لوحاته بحنان هائل هو كل ما يملكه الفنان المحب لفنه و لاشتغالاته التشكيلية ..

هذه المرة من ضمن اللوحات كانت هناك لوحات كبيرة الأحجام و هي على غاية من الجمال بحيث تكشف جانبا من تعب الرسام لانجازها و لكنه تعب لذيذ كما يقول فالرسام البراري ينكب على انجاز لوحته بكثيرمن المتعة و " الكيف " فالعمل الفني لديه هو هذه العشرة الجميلة مع اللوحة لأنه يشتغل بصبر و تركيز على الأجزاء و الجزئيات و ملامح التفاصبل من ذلك الوجوه في حفل ما أو مناسبة ما..هذا ما وجدناه في مرسم الفنان و هو يعمل للاعداد لمعرض من معارضه الخاصة ..وهو فنان مقل في المعارض الخاصة و الجماعية و هذا وفق قناعة لديه حتى يحافظ على لونه الفني و أعماله دون السقوط في لعبة استسهال العلاقة بالجمهور و الأروقة ..

انها البراءة في أدراج الذاكرة حيث القماشة ملاذا و ينابيع تقول بالسؤال الدفين..هل يمحو الزمن الألوان و الكلمات..نعم السؤال مربك و لكن الوقوف بين المشهد و القماشة أشد ارباكا بمعنى الفن تجاه اليومي الحارق و المحير ...ومن الحيرة و الحرقة يلج الرسام ورشة الأمل حيث الصمت النادر في حضرة العبارة اللونية و هي تبتكر لحظتها..ان النظر الى ما حولنا و التحاور معه ليس أمرا هينا و بسيطا حيث الأخذ بالتفاصيل و العناصر و الأشياء وفق معايير الحميمي و الوجداني و الانساني و الثقافي عموما..ها ان الرسام يمضي عبر المعنى في تمجيد المشهدية بروحه المرحة و الخفيفة ليبتكر لنا المتعة الأخرى بشأن ما تزخر به الحياة التونسية قديما و حديثا من عادات و تقاليد و مناسبات ليبرز ذاك الكم من المشاهد و الحالات و الأحداث في ضرب من القول بالثراء و بالامتلاء ..الأسواق و الأنهج و المحلات و الباعة بالعربات و الحرف من دعك الطين لصنع الكانون الى دبوس الغول الى العولة الى بائع الخضر و السراج بالسراجين و بائع المثلجات " الفريقولو " ...و نهج الباشة و العازفة و الحنة و الكحل و تربة الباي الى البلكون و بوقرنين و الطبيعة الجامدة....و هكذا..كون من الاحاطة التشكيلية و الجمالية باتجاه ما هو كامن فينا من تلوينات الحياة الزاخرة بالأصوات و بالشجن..و بالذاكرة..الدخول الى عالم الفنان عزالدين البراري هو ضرب من المثول أمام مرآة الذات التي تمنحنا حيزا من الدفء في هذا البرد الكوني المريع..مشاهد و صور من وصف الحالة التونسية ضمن الأهمية القصوى لهذه الخصائص و المميزات في التراث الثقافي التونسي..المعرض يتواصل الى غاية يوم 25 فيفري الجاري.

حول الموقع

سام برس