وليد المغلس

المجاذيب جمع مجذوب وهم مجموعة تنسب إلى فئة من "الصوفيين" الذين عرف عنهم الزهد بالدنيا والغوص في موضوع التعبد، ومال بعضهم إلى ضرب أجسادهم تعبيرا عن الابتعاد عن المادي، والجنوح إلى الجانب المعنوي في العبادات، ومن ذلك طعن الجسم بآلة حادة أو أكل الزجاج، خاصة في مجالس الذكر التي تسمى الموالد، وقد اعتبر البعض هذه الأعمال مرتبطة بالسحر إذ لا يمكن لجسد إنسان احتمال مثل تلك الطعنات وعدم ظهور اثر لها في الوقت نفسه.
على كل ليس هذا موضوعي ولا أريد الخوض بغير تخصص، ما أريده فقط أن أوضح معنى "حبوب المجاذيب"، فقد كان بعض هؤلاء المجاذيب يمرون على القرى في مواسم معينة ويحصلون على إعانات، وكانت الحبوب هي الخير المتوفر لدى أناس كانوا يمنحون المجاذيب ما استطاعوا من تلك الحبوب.
ولأن الحبوب متنوعة بين الذرة الصفراء والحبوب الحمراء التي يسميها البعض "الغرب" (بفتح الغين وكسر الراء)، وكذلك الذرة الشامية، والدخن فقد كان المجذوب يجمع كل تلك الحبوب في كيس واحد دون تفريق بينها، فصار المثل يضرب بذلك على كل ما هو مختلط من الأشياء التي تتطلب في الأساس فرزا وليس خلطا، فيقال في مثل هذا الحال "حبوب مجاذيب".
هذا المثل ينطبق الآن على أعضاء هيئة مكافحة الفساد الحاليين الذين عينهم الرئيس هادي وأبطلت قراره المحكمة الإدارية بأمانة العاصمة، وهو الحكم الذي ينتظر الناس مصيره في محكمة الاستئناف.
يشترط قانون مكافحة الفساد أن يكون أعضاء الهيئة من ذوي النزاهة والخبرة (بكسر الراء)، والخبرة مطلوبة هنا في مجال مكافحة الفساد، لكن اختيار هؤلاء - وفق المقاسمة التي تميز الماضي والقادم من فترة الرئيس هادي وحكومة الوفاق الوطني - ابتعد تماما عن معايير القانون، وجعل التقاء هؤلاء في هيئة الفساد أشبه بحبوب المجاذيب المجمعة من اكثر من مكان في كيس واحد، فبدا واضحا هنا أن الخبرة التي اشترطها القانون(بكسر الراء) فهمت على أنها من الخبرة (برفع الخاء).
ما يجعلنا نقول هذا القول هو مرور 6 اشهر منذ صدور قرار هادي، ولم نسمع شئيا عن وجود رؤية واضحة لعمل هيئة مكافحة الفساد، بما يعطي مؤشرا إيجابيا عن قدرات الخبرة في أداء مهامهم، واستكمال خطوات من كان قبلهم من خبرة صالح وإن كانت تلك الخطوات بسيطة على المستوى النظري، حيث أعد السابقون استراتيجية لمكافحة الفساد ودراسات وتصورات ومقترحات يمكن الاستئناس بها لعمل شيء، أما واقعيا فلم يكن السابقون افضل من اللاحقين في مجال مكافحة الفساد.
لست أحكم على كل أعضاء الهيئة بنظرة قاتمة، لكن تركيز الاهتمام الأول على المستحقات، وعدم الإعلان عما يشير إلى توجه حاسم في مجال مكافحة الفساد، إلى جانب وجود حكم قضائي باختلاس مال عام ضد أحد أعضاء الهيئة يصيبنا بخيبة امل، وكم شعرت بأسى قاتل حين قرأت في الصفحة الأخيرة من صحيفة "الشارع" لقطة عن شراء السيارات لأعضاء هيئة مكافحة الفساد بمبلغ يصل إلى 200 مليون، إلى جانب مانشرته صحيفة "الناس" عن أرقام فلكية للمستحقات، في حين لم نسمع عن الهيئة سوى استلام إقرارات ذمة مالية لتلميع مسئولين وليس لمحاسبتهم.
يبقى الرهان الآن على محكمة الاستئناف لتقول قولها في آلية اختيار هؤلاء الأعضاء، ونثق في أن تنتصر محكمة الاستئناف لحكم المحكمة الإدارية الذي الغى قرار هادي بتعيينهم، كما نثق أن وزارة الشئون القانونية التي يقودها الحقوقي والقانوني المعروف الدكتور محمد المخلافي، ستعمل في الاتجاه ذاته، كما نثق أيضا أن الرئيس هادي سيلتزم حينها بالحكم، لأن ذلك سيكون انتصارا للقانون ولحق الناس في التغيير وفي وصول قيادات للمؤسسات ذات كفاءة ونزاهة وخبرة بكسر الخاء وليس بفتحه، خاصة في هذه الهيئة التي أنشئت أساسا لمكافحة الفساد، الذي ابتلع ثروات الشعب على مدى سنين، ومايزال هو المهيمن حتى اللحظة.
كنت قرأت موضوعا دعائيا يصف رئيسة الهيئة القاضي أفراح بادويلان بالمرأة الحديدية، وانها ستسكت أصوات المرجفين المشككين بالهيئة من خلال وضعها برامج لمكافحة الفساد، خاصة وأنها كانت رئيس فريق الحكم الرشيد في مؤتمر الحوار الوطني.
ومن باب التفاؤل سأكون مع هذا القول الدعائي، وسأنتظر مع كل المتضررين من الفساد إعلان الهيئة برامج ناجعة لمكافحة الفساد، على أن يكون التزام أعضاء الهيئة انفسهم بالقانون في مقدمة ذلك، إذ لا يصح أن نتحدث عن مكافحة فساد من قبل أعضاء يمارسون الفساد، ويكفي فقط الاستشهاد هنا بما ذكرته صحيفة "الشارع" سابقا عن السيارات المخالفة للمعتمد في وزارة المالية وكذلك توظيف الأقارب، وهذان مؤشران يعكسان توجه الهيئة، ومعروف لدينا مايعنيه الحكم الرشيد.
وما يؤسف كثيرا أن أحزاب التوافق تحرص على المقاسمة ولا تحرص على الكفاءة ضمن هذا التقاسم خاصة في مؤسسة مثل هيئة مكافحة الفساد، فقد كان بالإمكان التقاسم لكن وفق معايير تلبي شروط القانون وهذا اقل ما يمكن فعله ما دمنا قد وضعنا قسرا في عهد التقاسم.
مجددا أقول إننا كمواطنين نراهن على أن تؤيد محكمة الاستئناف حكم المحكمة الإدارية بإلغاء قرار هادي، وإعادة الأمر إلى مجلس الشورى ليختار أعضاء مكافحة الفساد من قائمة كانت قد وصلت إلى افضل ما هو موجود من المرشحين قبل الانقلاب عليها من أغلبية الشورى، لتحال القائمة بعد ذلك إلى البرلمان لانتخاب 11 عضوا قادرين على إنقاذنا من الفساد، وسيكون الوضع افضل في مجلس الشورى بعيد إعادة تكوينه وفق مخرجات الحوار الوطني من خلال تمثيل مختلف القوى مع منح 50% للجنوب إلى جانب النسب الخاصة بالشباب والمرأة والمجتمع المدني، فهذا سيشكل ضمانا لاختيار قائمة مرشحين لمكافحة الفساد بمحاصصة معقولة نسبيا وفق المعايير القانونية.

ورغم أهمية دور منظمات المجتمع المدني في الوصول إلى هيئة فاعلة لمكافحة الفساد، لا أدري لماذا أجدني مراهنا أكثر على جبهة انقاذ الثورة ليكون لها دور مهم هنا في الإبلاغ عن ما نشر من قضايا فساد عن الهيئة إلى النائب العام، خاصة وأن هيئة الانقاذ التي يراسها الثوري والحقوقي المعروف القاضي أحمد سيف حاشد قد رفعت دعاوى بقضايا فساد تفوق ما عملته هيئة مكافحة الفساد نفسها.
واعتقد ان مانشر يكفي لإثارة هذا الموضوع وعلى مكافحة الفساد أن تثبت العكس إن كان لديها ما تقوله تجاه كل ما نشر.

حول الموقع

سام برس