الدكتور / علي أحمد الديلمي
لاشك إن أمن الخليج قضية محورية لطالما طـُرحت في المنتديات والمؤتمرات الحوارية ولطالما شغلت الباحثين والدارسين على المستويات المحلية والإقليمية والدولية بل واستأثرت أيضا باهتمام كبار صناع القرار في العالم انطلاقا مما يمثله الخليج من أهمية جيوسياسية وإقتصادية وذلك منذ أن وجدت منطقة الخليج نفسها بحاجة لترتيبات أمنية تساعدها على حفظ أمنها وأستقرارها

وبطبيعة الحال زادت وتيرة تناول هذه القضية على خلفية الأحداث المتسارعة التي شهدتها المنطقة مثل الحرب العراقية – الإيرانية، وحرب تحرير الكويت وحرب تخليص العراق من نظامه السابق بالاضافة إلى الاحداث التي هزت العالم العربي أثناء ثورات الربيع العربي ثم جاءت الحرب في اليمن لتمثل عبء على دول مجلس التعاون الخليجي وذلك في ظل تحولات إقليمية ودولية جعلت للحرب تداعيات خطيرة على دول الخليج العربي.

اليوم وبعد المتغيرات والتطورات العالمية الكثيرة وبروز قوى غير غربية على الساحة الدولية بإمكانيات عسكرية وأمنية وإقتصادية وعلمية مبهرة يمكننا القول أنه بإمكان منظومة دول الخليج العربية إستيراد الأمن بالتعاون مع مصر أومن قوى صاعدة مثل الهند والصين أو على الأقل جعل هاتين القوتين شركاء في حفظ الأمن الإقليمي وتحصينه .

ومثل هذا الكلام قاله وزير الخارجية السعودي السابق الأمير سعود الفيصل في منتدى حوار الأمن الخليجي الأول في المنامة في ديسمبر 2004 فلأول مرة عبـّر مسئول سعودي رفيع عن رؤية لم تكن مطروحة من قبل ونعني بها قوله أن "البعد الدولي للإطار الأمني المقترح يقتضي المشاركة الإيجابية للقوى السياسية التي برزت على المسرح الدولي حديثا وخصوصا الصين والهند" مضيفا أن "أمن الخليج يحتاج إلى ضمانات دولية لا يمكن توافرها على أساس منفرد حتى لو جاءت من طرف القوة العظمى الوحيدة في العالم".

ونظرا للمتغيرات التي تشهدها منطقة الخليج بشكل خاص ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام وفي ظل المتغيرات الدولية والحرب الروسية الاوكرانية التي تهدد الاستقرار في أوروبا وأحتمال تصاعد هذه الحرب الى دول أوربية غير أوكرانيا بالاضافة إلى تأثيراتها على مواقف كثير من دول العالم بما فيها الدول العربية والمساعي الحثيثة لإعادة تشكيل النظم القائمة فان العرب ومنطقة الجزيرة والخليج بشكل خاص تجد نفسها في مفترق طرق خطير يتطلب اتخاذ قرارات تاريخية فالحاجة تستدعي إعادة النظر في واقع ومستقبل مجلس التعاون الخليجي والبحث في أنجع الأشكال لتحقيق التكامل السياسي والاقتصادي والتجاري والأمني والعسكري بين دول المنطقة والانفتاح المسؤول على العالم باعتبار ذلك هو السبيل الوحيد للتماشي مع متطلبات التغيير.

إن العمل الجماعي الخليجي بمختلف مكوناته من دول مجلس التعاون وغيرها من دول المنطقة لصياغة مستقبل الخليج يستدعي القيام بمبادرات جريئة تنفض الغبار عن النظرة التقليدية من خلال توسيع وتعزيز القاعدة المحلية للدعم السياسي في كل دول المنطقة ورسم وتفعيل رؤية إيجابية جديدة للمنطقة لإعادة اهتمام العالم بها ليس كبرميل نفط بل كخلية نشاط مؤسسي بين دول المنطقة ومجتمعاتها لإعادة الارتباط بالعالم بما يفتح المجال للعرب ولدول الخليج من تحقيق طموحاتها المستقبلية .

تأتي اليوم الدعوة الخليجية الجديدة لكل الاطراف اليمنية من قبل مجلس التعاون الخليجي كجزء من هذا الحراك والتحديات وهي خطوة سياسية مهمة فاليمن مرتبط بدول مجلس التعاون الخليجي والحرب لن تغيّر هذا الواقع بغضّ النظر عمّن سيكون المنتصر أو عن الأحداث التي قد تطرأ لذلك ومن الضروري أن ينظر الطرفان مجلس التعاون الخليجي واليمن في معادلاتٍ جديدة لإعادة تصويب العلاقة بينهما والسبيل الوحيد لذلك  وضع خريطة طريق واقعية وذات مصداقية تؤدّي إلى بناء مستقبلٍ أفضل وتحقيق التعافي السياسي و الاقتصادي، وتسهيل التوصّل إلى اتفاق سلام يستفيد منه اليمن ومنطقة الخليج ككُل وتعد هذه المبادرة خطوة تمثل عودة مجلس التعاون للعب دور مستقل بعيدا من تأثير بعض دول المجلس وفي أطار مساعي بعض دولة وعلى رأسها عمان والكويت وقطر التي تحاول حلحلة الوضع في اليمن ووضع حد للصراع المسلح والذي تري فية مزعزع لامن وأستقرار دولهم وهو ما أكده مسؤول خليجي بقولة أن هذه الجهود هي جهود بداخل المجلس مشددا أن السعودية ليست طرفا وأن سلطنة عمان تقود هذة الجهود

وبحسب تصريحات أمين عام المجلس /الحجرف أن المشاورات تهدف لوقف شامل لإطلاق النار ومعالجة التحديات الإنسانية وفتح ممرات آمنة وتحقيق السلام والاستقرار وحماية النسيج المجتمعي اليمني وستكون انطلاقة لتشاور مستدام بين الأطراف المعنية وستؤسس آليات للعمل الإنساني والمستقبل السياسي مؤكدًا أن المشاورات لا علاقة لها باتفاق ‎الرياض وإنما بناء على المبادرات كافة في إشارة منه للمبادرة الخليجية التي وقعتها الأطراف اليمنية في 2012م ونوه الحجرف إلى أن المشاورات اليمنية التي دعا إليها مجلس التعاون الخليجي ليست انتقاصًا من الجهود الدولية بل في ذات السياق.

واختتم الحجرف مؤتمره الصحفي بالقول: “ما نقدمه ليس مبادرة جديدة، إنما تأكيد على أن الحل بأيدي اليمنيين”، داعيًا جميع اليمنيين لاغتنام هذه الفرصة لتحقيق السلام والاستقرار

تبقي أهمية هذة الدعوة في أستجابة جميع الاطراف في حضور هذة المشاورات والاتفاق على القضايا الرئيسية التي سببت الحرب وأن يكون المشاركين من الذين لهم رأي ويمثلون أطراف النزاع أما اذا كان الحضور لأكثر من 500 شخص كما تم الاعلان علية فسينعكس سلبا على جوهر الدعوة ويصبح مجرد منصة سياسية جديدة تتعامل مع من لا يمتلكون قرار أو يستطيعون فرض أي شئ علي أرض الواقع.

سفير بوزارة الخارجية

حول الموقع

سام برس