ساهم الحاج ناصر أحمد المنتصر – الذي هاجر إلى أمريكا في مطلع الستينيات وفي زخم المد القومي-في تأسيس الجمعية اليمنية الأمريكية التي شكلت نواة الاتحاد العام للمغتربين اليمنيين بنيويورك، وبناء مسجد الأقصى ومدرسة النور الإسلامية، وكان داعماً للثورة السبتمبرية منذ الشرارة الأولى، وكانت له علاقات بالزعيم جمال عبد الناصر بشأن النضال الوطني والقومي، ويحتفظ إلى اليوم بالمراسلات الخاصة مع القيادة القومية في القاهرة والوطنية (الج
مهورية) في صنعاء. فكيف تعرف على الزعيم عبد الناصر؟ وما هو دوره الداعم لثورة السادس والعشرين من سبتمبر ؟
سام برس/ محمد محمد إبراهيم

ولد ناصر أحمد المنتصر (في عام 1939م بقرية المعينة - مديرية الرياشية رداع محافظة البيضاء) ليعيش طفولته في القرية على إيقاع الصباحات المفعمة بثقافة الريف طبيعة وحقولاً زراعية وإنساناً يكافح طوال العام ليحصد القليل من الحبوب. وفي عام 1954م هاجر إلى عدن، ليعمل في الجيش البريطاني، لكنه لم ينسجم تماماً مع هذا العمل على اعتبار الإنجليز قوة محتلة، فبدأ التفكير بمخرج له من الجيش، فكانت الهجرة هي الملاذ الأقرب خصوصاً وقد سبقه إلى أمريكا ابن عمه وصهره محمد بن يحيى المنتصر، في عام 1956م.

فكرة عمله مع الإنجليز وفي الجيش، ظلت عائقاً أمامه في أن يحاول الحصول على جواز بريطاني للسفر من عدن مباشرة وكان عليه العودة إلى مدينة تعز حيث المركز السياسي للإمام أحمد، ثم عاد إلى عدن فحصل على تأشيرة الدخول بموجب فيزا السفر التي حصل عليها بمساعدة ابن عمه محمد المنتصر.

الهجرة إلى أمريكا

وفي مطلع أغسطس 1961م بدأ إجراءات أول رحلة جوية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الرحلة التي لا ينساها، حيث لفت الحاج ناصر المنتصر إلى أن ظروف تلك الرحلة كانت مليئة بالقلق كونها أول رحلة جوية في حياته، حيث كانت على ثلاث محطات الأولى من عدن إلى بيروت، والثانية من بيروت إلى لندن، ثم إلى مطار كنيدي في نيويورك، حيث كان ينتظره صهره محمد يحيى المنتصر، الذي هاجر قبله بخمس سنوات تقريباً..

لقد وصل المهاجر الجديد الذي كان عمره لا يتجاوز عشرين عاماً، وكان نحيل الجسد، ما يعني أنه غير قادر على العمل في مصانع السيارات والحديد والصلب وغيرها من الفرص التي كانت متوفرة وتطلب بنية بدنية قوية، ما جعله يبحث عن عمل في مطعم وبمساعدة صهره محمد المنتصر، حيث يقول ناصر المنتصر في هذا السياق: منذ الأسبوع الأول لوصولي رتب لي صهري فرصة العمل، حيث أخذ بيدي إلى مطعم عالمي مشهور اسمه «برزلي نيويورك» وهو مطعم تابع لشركة أمريكية متخصصة في المطاعم العالمية، ويملكها رجل أعمال أمريكي من أصل شرقي. مضيفاً وقد عملت فترة طويلة تدرجت خلالها حتى وصلت إلى مساعد طباخ في المطعم نفسه، وكنت أتقاضى من 50-70 دولاراً في الأسبوع.
الهم الجمعي.

مع انهماكه في العمل كمساعد طباخ في المطعم المذكور آنفاً، ظل المهاجر ناصر المنتصر مشغولاً فكرياً وعملياً بالهم الجمعي والمعاناة التي يعيشها المغترب، خصوصاً الجديد على المجتمع الأمريكي والذي يحس بغربة ثقافية واجتماعية ولغوية، لهذا كان ناصر المنتصر كثير البحث الفكري في مخارج أو حلول تعين المغتربين اليمنيين الجدد الذين بدأوا يتوافدون منذ مطلع الستينيات إلى نيويورك عامة وبصورة خاصة، وفي هذا السياق يقول ناصر المنتصر:

إلى جانب عملي المهني في المطعم كنت دائماً ما استغل وقت الفراغ للقاء المغتربين القدامى والجدد، وكنت كثيراً ما أطرح عليهم حديث إيجاد نادٍ أو كيان أو جمعية تضم المغتربين اليمنيين وتسهل مهام القادمين الجدد من الوطن، إذ كانت من الصعوبات التي واجهتني كغيري من المغتربين أنه لم يكن لدينا الجمعيات الكافية على مستوى المقاطعات التي نتجمع فيها، وكانت ظروف تلك الأيام مشوبة بالخوف وعدم الأمان، خصوصاً مع قلتنا حيث كان عددنا قليلاً جداً، تذهب إلى العمل وأنت خائف وتعود إلى البيت بالطريقة نفسها فهذه هي الصعوبات التي واجهتنا كمغتربين لكنها كانت باعثاً أساسياً ودافعاً لنا نحو تعزيز وجود الجمعيات، والكيانات والمراكز الدينية والثقافية، فساهمنا بعون من الله في إنشاء وتأسيس ودعم الكثير منها..

ويواصل قائلاً : تمخض عن هذه النقاشات والرؤى أني طرحت فكرة تأسيس الجمعية اليمنية الخيرية في نيويورك لأول مرة، كان ذلك عام 1963م أي بعد وصولي بعامين، وبدأت أحاول الحصول على مقر يجمعنا، وقد شكلت الجمعية نواة الاتحاد العام للمغتربين اليمنيين، الذي تأسس لاحقاً.. وكان إلى جانبي كل من الإخوة : (محمد علي جويح حسين.. - أحمد النصيري- علي مانع الذيباني- أحمد العوبلي- أحمد حزام)..

تطور الجمعية

شهدت الجمعية تطوراً كبيراً في أدائها الخدمي للمغتربين اليمنيين وتسهيل معاملاتهم، وأيضاً التواصل مع الداخل إذا استلزم الأمر ولدى أي شخص مغترب مشكلة في اليمن، والمتابعة في وطن المهجر في حال حدث أشكال لأي مغترب في أمريكا، وكانت هذه المهام الخدمية هي من تشكلت عليها الأرضية الصلبة لنشأة الاتحاد العام للمغتربين اليمنيين، في ستينيات القرن الماضي، ليظل الحاج ناصر المنتصر مؤسساً وعضواً حتى وصل إلى رئاسة الاتحاد العام للمغتربين اليمنيين فرع نيويورك في عام 1978م.. حيث فعَّل كثيراً من الخدمات لأبناء الجالية في شتى المجالات، إضافة لتفعيل الأنشطة الشبابية رغم قلة أفراد الجالية حينها، إذ كانوا لا يتجاوزون مئة شخص.. كما فعّل مهمة المراسلات الدائمة معه في كل المناسبات الوطنية والإسلامية.. إضافة إلى ذلك استطاع الاتحاد في عهد رئاسته شراء عمارة جاهزة كانت تابعة لمؤسسة حكومية وتحويلها إلى مسجد ومدرسة (الأقصى).. وكان أول مسجد يقوم ببنائه مغترب يمني، وقد جمع أبناء الجالية اليمنية والإسلامية في أمريكا وبالتحديد في مدينة نيويورك.. كما أن المسجد لا يزال قائماً إلى اليوم وإدارته من الإخوة اليمنيين.. كما ساهم الحاج ناصر المنتصر إلى جانب الإخوة المذكورين آنفاً في شراء عمارة وبناء مدرسة النور الإسلامية..
الحضور الوطني والقومي.

اقترن تاريخ هجرة ناصر أحمد المنتصر في عام 1961م بآخر أيام الحكم الإمامي الفردي الذي عُرف بالاستبداد والانغلاق، فكان اليمن في تلك الأيام يشهد الحركة الوطنية التي تعبر عن سأم الشعب اليمني من هذا الشكل الحاكمي الاستبدادي، ما جعل المنتصر على تواصل دائم مع الوطن وترقب مستمر لما ستتمخض عنه تلك الظروف، ومع الشرارة الأولى كان واحداً من المغتربين اليمنيين الوطنيين الذين بادروا بالمراسلات المحفزة والمشجعة لقيادة الثورة، مؤكدين في رسائلهم مواصلة حشد الدعم المادي والدبلوماسي وهو ما صار بالفعل، حيث لعبت وقفات المغتربين في أمريكا المؤيدة للثورة السبتمبرية جزءاً من أسباب اعتراف كنيدي بقيام النظام الجمهوري في صنعاء..

وتؤكد رسالة شكر جوابية موجهة من صنعاء إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وممهورة بإمضاء المقدم عبد الله السلال إلى المهاجر اليمني ناصر المنتصر يقول فيها: ((الأخ المواطن/ ناصر أحمد علي المنتصر// سلام من أرض بلقيس وسبأ// استلمت رسالتك، ولقد هزني إيمانك العميق بثورة بلادنا وبمستقبلها المشرق.// إن ثورتنا لتؤمن بأن من واجبها الأول هو الالتفات إليكم أنتم أبناؤنا في المهجر، أنتم الذين بنيتم بلاد الآخرين بقوة وإصرار.// والآن بعد أن قضينا على أسوأ نظام في التاريخ فإن بلادنا لفي شوق إلى أن تحتضنكم من جديد لتبنوا هنا في اليمن أكثر مما بنيتم في الخارج ولتعيدوا لليمن مجده وازدهاره القديم.// إن شعبنا اليوم أقوى من الظلم والفساد، وما يوم 26 ايلول 1962 إلا ولادة جديدة لمجتمع إنساني، كريم، وعادل على أرض اليمن الخالد.// وإنني إذ أشكركم بالنيابة عن إخوانكم من أبناء شعبنا البطل لأطلب منكم أن تكونوا روح الثورة ودعاتها أينما حللتم.// وسلامي وسلام شعبنا على كل أبناء جمهوريتنا اليمنية الذين يقيمون معكم.. // وإلى الأمام.. لكي يشق اليمن طريقه وسط شعوب العالم المتحررة.// عبد الله السلال// رئيس الجمهورية العربية اليمنية// صنعاء / 24 رمضان المبارك 1382 الموافق 18 فبراير 1963م))

ولم يقتصر الدور النضالي للمهاجر ناصر المنتصر على الوطن الأم، بل تعدى ذلك إلى العمل النضالي على المستوى القومي الـمُعبر عن روح الأمة العربية، حيث ظل متواصلاً مع القيادة القومية العربية في مصر، على مدى الستينيات،

حول الموقع

سام برس