سام برس
في معرض "صدى" للفنانة الدكتورة و الباحثة سلوى العايدي :

سردية فنية لمحصلة ثيمة الصدى ..و تجوال يتمثل ما في"الأنا"من صخب وهواجس..

عالم تعويضي يحاورالخيال وصوره ، و اعمال ثنائية الابعاد و تنصيبات تتراءى في الظلّ والمعتّم ..
حكاية "الصدى"التي بدت عنوانا فنيا جماليا ابداعيا وانسانيا لدى فنانة مسائلة و حالمة..

شمس الدين العوني

كيف للكائن أن يمضي في فسحته تجاه الأكوان و العناصر و الأشياء حيث الذاكرة محتشذ من الصور و الأصوات و و الحكايات البليغة و العابرة ...و كيف للشواسع أن تلهو بما يعتمل في ثناياها من الأوهام و الأحلام و الهيئات متعددة الأشكال و الألوان و الأبعاد ...

هي الذاكرة تمنح القلب كل هذه الوجدانيات و الأحاسيس و الانتظارات قولا بما تختزنه من غرائبية و عوالم هلامية و سريالية تختلط في النظر اليها و التفكير فيها بما يجمع بينها من أمل و رجاء و حب و خوف و رعب و نفور ...وفي كل هذا المعترك يأتي الصدى مثل نشيد خافت يعلن هيجانه الرجيم على الأحوال و الجهات و الأرجاء و كأنه في تناسق مع المايحدث في العوالم...من صخب و سقوط مريب و تذاعيات مربكة مزعجة للكائن في حله و ترحاله...انها لعبة الصدى...الأصداء حيث لا مجال لغير المواجهة..مواجهة رعب الواقع ..برعب آخر من الذلكرة الحية و كأننا أمام القول الشعري الشهير لأبي نواس "...و داوني بالتي كانت هي الداء..." ..و من مثيل هذا الشعر كانت الفكرة انطلاقا من صرخة الشاعر أحمد مطر : ( صرخت: لا / من شدّة الألم / لكن صدى صوتي / خاف من الموت / فارتدّ لي نعم) ...
و من هنا كانت اللعبة الفنية و الجمالية في التعاطي مع تيمة الصدى من حيث الممكنات التي يستبطنها الفنان المتجول في عوالم اليوم و ما تحيل اليه من نظر و تأمل و سماع..ان الفن هو ما يحيل الى دقة و صدق و جودة الانصات من قبل الفنان تجاه الذات و الآخرين..و العالم.

الفن مساحة الادراك و الاحساس و التمعن في عالم صاخب في حركته و في هدوئه و في كل متغيراته ..انها فكرة الفن في رصد الآتي و التدبر في الراهن و الاستعادة تجاه الماضي في سياق مقترح جمالي ينبض بعباراته و هي تقول خلاصة أحوالها..

هكذا نمضي مع فكرة و حكاية " الصدى " التي بدت عنوانا فنيا جماليا ابداعيا و انسانيا لدى فنانة طفلة مسائلة و حالمة هامت بالفن ملاذا و بحثا و جوابا تجاه الذات و أسئلتها الحارقة..هي لعبة الحيرة عند فنانة قالت بالصدى مجالا للابداع و الابتكار و التذوق في عالم صاخب ما فيه بين هشاشة الكائنات و صلابة الأحداث ...

الفنانة و الباحثة الذكتورة سلوى العايدي و في سياق اشتغالاتها الجمالية من سنوات اقترحت هذا المعرض المعنون بال " صدى " لتأخذ المتلقي طوعا و كرها الى أكوان فكرتها و من خلال أعمال فنية متعددة ضمن التنصيبة و المنحوتة و المحفورة والمطبوعة ....المعرض ينتظم في الفترة من 14 أكتوبر الى 05 نوفمبر 2022 بفضاءات دار الثقافة فندق الحدادين و بدعم من المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بصفاقس و قد شهد منذ افتتاحه اقبالا مميزا من قبل الفنانين و النقاد و الطلبة و أحباء الفنون الجميلة...

معرض بمثابة السردية الفنية لمحصلة ثيمة الصدى ..و هو تجوال بما في الأنا من صخب و هواجس و كما يرد في تعريفية المعرض "...معرض "صدى" تلك العتبة الّتي تفصل بين عوالمنا وحيوات كائنات سريالية، نبحث في الفضاءات البصريّة عن ذواتنا وعن صيغ تعبيرية تخصّ تناول الجسد. نحاول أن نرى فيما خلف الأشياء ونبحث في كنه هذا الجسد، هكذا يقيم هذا المعرض في الغرائبي وفي العجائبي وفي الإيروسي، نتوسّل التقنيات لتمثيل وتصوير الجسد الأنثوي خصوصا والواقع الإنساني عموما... كان الجسد في جملة هذه الأعمال تجربة إستيتيقية، يتواشج فيها الجميل والجليل المرئي والمتخيّل من خلال تسخير مفهومي الرؤيوي والإيروسي، يتحرر من خلاله الفنان من الواقع ليعايش فضاء آخر يغدو فيه قادرا على تحقيق عالم مغاير قائم على الرغبة والشّهوة، عالم تعويضي يحاور الخيال وصوره وأشكاله، سواء كان من خلال الاعمال ثنائية الابعاد أو التنصيبات الّتي تتراءى في الظلّ والمعتّم حال الخبيئة في السراديب، أجساد مظلّلة ومخاتلة، ووعي تصبغه ثقافتنا وموروثنا، وأشباح في الظلّ تسقط عنّا كلّ رجاحة ممكنة، في عالم أصبح فيه الانسان قرينا غريبا لذاته، أصبح هو نفسه يخيف نفسه، فأصبح العالم أشبه بصراع الأشباح...".

و ضمن ورقة الفنانة لتقديم العمل نقرأ التالي : "... نحاول أن نرى ما وراء الجسد ومن خلال الجسد ، ونتجاوز المظهر لاكتشاف عوامل الجذب السرية التي يخفيها. وهكذا يمكننا الكشف عن الغريب والرائع والخيالي والإيروتيكي. نناشد الحلم والحلم. نحن نسعى جاهدين لتطبيق خبرتنا في إبراز الأجزاء المثيرة للشهوة الجنسية من هذا الجسم الرائع. نحن نستخدم جميع التقنيات الممكنة والمتخيلة لتعزيز الانسجام بين جسد الأنثى بشكل أساسي وجسم الإنسان بشكل عام. يكشف هذا البحث عن البعد الكبير للغاية الذي يتخذه الجسم من خلال هذه المناورات الفنية وهذه التجارب الجمالية حيث يتدفق الجميل والمرئي والخيالي وينسج طريقهم من خلال استكشاف ما يشبه الحلم والإيروتيك...".

معرض و تجربة للسفر في مناطق أخرى في دروب الفن الصعبة بعيدا عن المألوف و المعتاد وفق طرق الابداع الوعرة حيث الحلم بالجديد يبعث بالصدى في عالم متغير و سريع التبدلات بعناصره و أشيائه..

و الفنانة سلـوى العايـدي متحصلة على شهادة الدكتوراه في علوم وتقنيات الفنون، أستاذ مساعد بالمعهد العالي للفنون والحرف بصفاقس، نشرت العديد من المقالات الخاصة بالفن التونسي بصحيفة "الصحافة" التونسية، العديد من المداخلات والتي اختصّت بالفن التونسي المعاصر، لها مداخلة بالمغرب، بقاعة جهة مكناس، تافلالت المغرب، ومداخلة بالشارقة، مداخلة بسلطنة عمان، و العديد من المشاركات الجماعية بتونس وبالخارج( ليبيا، المغرب، اليمن، قطر، لندن، الإمارات العربية المتّحدة)، الى جانب معرض شخصي سنة 2008، و معرض شخصي ثان سنة 2016، مع الحصول على الجائزة الثالثة للنقد التشكيلي العربي سنة 2009. و جائزة أحسن مقال لأيّام قرطاج للفنّ المعاصر بتونس 2018.

" الصدى " معرض يدعو للاهتمام و التأمل في مقترحاته الفنية ..يتواصل الى غاية يوم السبت 05 من شهر نوفمبر الجاري بفضاءات دار الثقافة فندق الحدادين بمدينة صفاقس.

حول الموقع

سام برس