علي البخيتي
يخوض الجيش اليمني في هذه اللحظات حرباً ضروساً ضد تنظيم القاعدة في بعض المحافظات الجنوبية, ويحظى الجيش بغطاء شعبي هائل في تلك الحرب التي يعتبر الكثيرون أنها تأخرت.

لا أحد يتمنى أن تستمر الحروب داخل اليمن، لكن الرئيس عبدربه منصور هادي كان واضحاً في خطابه الأخير عندما قال إن 70% من عناصر القاعدة أجانب وبالتالي فهناك استحالة للتفاوض أو الحوار معهم.

في نفس الوقت لا نريد لهذه الحرب أن تعتمد فقط على القوات المسلحة والمعالجة الأمنية فقط, فالحرب ضد القاعدة بحاجة إلى منظومة مواجهة متكاملة قائمة على دراسة علمية يقدمها متخصصون تعالج المشكلة من الجذور ولا تكتفي بعلاج الظاهر منها فقط.

لا يصبح الفرد اليمني بين ليلة وضحاها "قاعدوياً", كما أنه لا يولد بالفطرة منتمياً لهذا التنظيم, فهناك أماكن لتفريخ عناصر لذلك التيار متواجدة في مختلف مناطق اليمن وفي العاصمة صنعاء, وهذه الأماكن بعضها رسمي وبعضها خاص, وجزء منها شرعي ومرخص له وغيره يعمل دون سند قانوني.

كما أنه لا يجب النظر لعناصر ذلك التنظيم من اليمنيين كمجرمين بشكل محض, فهم أيضاً ضحايا للنظام السياسي الذي حكم اليمن لعدة عقود، وما يزال يسيطر على جزء مهم من السلطة حتى اليوم, وهنا يجدر بنا تذكر الرحلات المكوكية التي نظمها بعض النافذين في اليمن للشباب البسطاء للجهاد في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي, وشكل العائدون من أفغانستان نواة لذلك التنظيم, كما أنه أصبح من الثابت أن النظام وظف عناصر التنظيم في حملة الاغتيالات المنظمة ضد كوادر الحزب الاشتراكي في تسعينيات القرن الماضي, ثم ما لبث نظام الرئيس السابق صالح بتحالفه مع الإخوان المسلمين "حزب الإصلاح" أن جندوا عناصر ذلك التنظيم في معركتهم مع الحزب الاشتراكي والجيش الجنوبي السابق, وحرضت أبواق الفتنة والفتوى وقتها الشباب على الجهاد في الجنوب على اعتبار أنها معركة مقدسة.

ما دفعني للرجوع قليلاً إلى الوراء ليس نكء الجراح ولكن تذكير أصحاب الذاكرة القصيرة كيف تم تأسيس هذا التنظيم، وكيف ولد في كنف النظام, إضافة إلى أن تلك العملية مستمرة إلى ما قبل أشهر, حيث عمدت نفس مراكز النفوذ التي أرسلت الشباب إلى أفغانستان والتي استقدمتهم للحرب ضد الجنوب إلى إرسال الجيل الجديد منهم إلى سوريا بدعم وتمويل قطري سعودي وتسهيلات تركية وغطاء أمريكي تحت نفس الذريعة وهي الجهاد, لكن هذه المرة ضد دولة عربية إسلامية شقيقة, وطالما استمرت مراكز النفوذ تلك في عملها، فلا فائدة من كل المعارك التي يخوضها الجيش حالياً, كما أن ملايين الدولارات التي تدفعها قطر دعماً للقاعدة تحت ذريعة الإفراج عن المختطفين تشكل الرافد المالي الأساسي للعمليات المالية لذلك التنظيم.

أتذكر عندما كنت في سجن الأمن السياسي في 2008 بسبب اصطحابي لصحفي اجنبي لزيارة صعدة، كيف كان يتم إعداد وتربية عناصر القاعدة داخل السجن, وكيف كانت تقام المحاضرات الجهادية وتوزع عليهم الكتب التي تدفعهم وتحثهم على الجهاد وتكفير المجتمع واعتباره على ضلالة, وعلى رأس هذه الكتب كتاب "معالم في الطريق" لسيد قطب الذي يضع أمام قارئه معالم تدله على الطريقة التي يصبح بعد أن يسلكها مجاهداً ضد مجتمعه ونظام بلاده.

تكلمت وقتها مع بعض ضباط الأمن السياسي وسألتهم عن سر سماحهم بتدريس تلك الكتب للنزلاء داخل السجن، وكيف تعطى محاضرات تحرض على الجهاد في سجن الأمن السياسي الذي تحول إلى فقاسة لذلك التنظيم.

واذا ما سألنا عناصر ذلك التنظيم عن الأماكن التي درسوا فيها نجد أنها أماكن ومعاهد محدودة بعدد أصابع اليدين، وبعضها داخل العاصمة صنعاء, تلك المدارس والمعاهد والجامعات هي البيئة الخصبة لتنشئة أجيال مستقبلية لذلك التنظيم, ولا يبقى بين خريج تلك المدارس والجامعات إلا لحظة بسيطة لكي يقرر بعدها الانضمام إلى ذلك التنظيم الذي يجسد وبشكل عملي المنهج الذي درسه لعدة سنوات داخل تلك المدارس والمعاهد والجامعات.

كما أن هناك أجنحة وقيادات عسكرية وقبلية ودينية في السلطة لا تزال إلى اليوم توظف وتستخدم أجنحتها في ذلك التنظيم في معاركها السياسية الخاصة, وكل ذلك يجري بعلم السلطات الرسمية, إضافة إلى أنه لا يخفى على أحد التواطؤ المفضوح بين تلك الجهات وبين تنظيم القاعدة عبر منحهم تصاريح حمل سلاح وتسهيل تحركاتهم, وأكبر دليل على ذلك العملية الأخيرة التي تعرض لها السجن المركزي القريب من مقر وزارة الداخلية, حيث اقتحمت أكثر من 13 سيارة شاص منطقة السجن ونفذت عمليتها وهربت المساجين الذين نقلوا إلى ذلك السجن بغرض تهريبهم ورفض وزير الداخلية تأمينه، مع أن مديره رفع أكثر من مذكرة, ثم خرج المسلحون والسجناء بسياراتهم وكأنهم في موكب عرس جماعي دون أن يتم اعتقال أحد منهم أو حتى ملاحقتهم أو اعتراضهم في أي من النقاط المنتشرة داخل أمانة العاصمة.

من هنا فإن الحرب على القاعدة ينبغي أن تأخذ في الحسبان كل تلك المعطيات, وأن ينظر إلى الشباب المنتمين لذلك التنظيم كضحايا أيضاً, وأن تحاسب تلك الجهات أو على الأقل يتم إيقاف أنشطتها وتحذيرها من الاستمرار, فلا يعقل أن يلاحق الجيش عناصر التنظيم في أبين أو البيضاء ومراكز تفريخ ودعم وتمويل ذلك التنظيم تعمل بأريحية تامة في أمانة العاصمة.

إضافة إلى أن تلك الحرب يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الجانب الاقتصادي والاجتماعي الذي دفع هؤلاء الشباب إلى ذلك التنظيم، وأن يتم تحسين أوضاع تلك المناطق التي ينشط فيها التنظيم من الناحية الاقتصادية والبنية التحتية والتعليمية, بما يرفع مستوى الوعي والمعيشة لدى المواطنين، لأن ذلك هو الحاجز الأهم أمام تمدد تلك التيارات الأصولية.

وأعتقد أن تنمية تلك المناطق ستكلف مالاً اقل بكثير من الذي تكلفه الحرب لشهر واحد فقط, فلو تم احتساب الكلفة المادية لذلك الشهر لذهلنا من الرقم, ولو استخدمنا مثل ذلك المبلغ في التنمية لمنعنا عودة التنظيم من جديد إلى تلك المناطق بعد انتهاء المعارك.

وفي الأخير يجب على الجيش أن يترك فرصة ومجالاً ومنفذاً للشباب اليمنيين الذين عندهم استعداد للتخلي عن السلاح وتسليم أنفسهم والدخول في برنامج إعادة تأهيلهم ومن ثم العفو عنهم, فلا يجب أن نحكم الخناق حولهم بما لا يدع لهم مجالاً إلا الاستبسال في القتال والمواجهة إلى النهاية.

albkyty@gmail.com

حول الموقع

سام برس