د حسين العواضي
■ لا أحد يحيك الروايات المدهشة، كما يفعل غراسيا ماركيز الأديب الكولمبي الشهير الذي ودعه العالم هذا العام بعد مائة عام من العزلة، أعظم رواياته التي قرأها الملايين بنهم فائق بعد أن ترجمت إلى كل لغات الدنيا.
■ من الكاريبي المنطقة الساحرة الغامضة استوحى قصصه، وقدم أبطاله، وحين تغوص في عوالمه المنسوجة بعناية تكتشف التشابه بين بيئة أميركا الوسطى ومنطقتنا العربية، فالعرب هاجروا إلى أسبانيا .. وأسبانيا هاجرت إلى أميركا.
■ يتفوق غارسيا في نبش التفاصيل الصغيرة، وتوظيفها في رواياته بشكل ملفت، وهو صحفي .. وكاتب مغامر .. عشق التحدي، فتمرد على النصائح والتحذيرات، انساق خلف حدسه، وشغفه، ومعارفه وجنونه فأثمر ذلك قائمة الروايات الأكثر مبيعاً في العالم.
■ في سن العشرين حين اضطر لتأمين عيشه كان يبيع الكتب فحذروه إياك العمل كبائع فإنها مهنة تقتل الكاتب، وحين عمل بالصحافة حذروه ثانية، الصحافة تقضي على الكاتب، وعندما بدأت رواياته تشق طريقها إلى السينما .. صرخوا في وجهه لقد انتهيت صناعة الأفلام تقتل الكاتب.
■ في كل مرة كان –ماركيز- يغلق أذنيه ويمضي في طريقه رحالا مغامرا وعنيدا يطارد التفاصيل الصغيرة، وللذين تمادوا في تحذيره وتخويفه كان يرد الشيء الوحيد الذي يقتل الكاتب هو الموت.
■ يرى – ماركيز- أنه من الأمور الصعبة في كتاباته قتل شخصيات الرواية، لأن بعض الشخصيات عنيدة مقاومة وتفرض الرحيل بسهولة.
■ ويضيف لقد قتلت إحدى شخصياتي في واحدة من الروايات التي كتبتها لأنه مثل كل شيء احتقره في نفسي.
■ وحين قضيت عليه هرعت إلى الدور العلوي، ارتميت على سريري، وبكيت طوال اليوم، لقد كان عليَّ أن أضحي به في سبيل نهاية كبيرة للفصل، أن أسلوبي يتملكني أنني أحب النهايات الكبيرة.
■ إنني أتحين الفرص المواتية للانقضاض على شخصياتي وحين أتخلص منها أعاني الندم والعذاب.
■ في واحدة من ندواته، قال لست خائفاً من الموت ليس الموت صعباً جداً، الأمر الذي يقتلني هو أنني لن أتمكن من الحديث عنه.
■ في رسالة الوداع المؤثرة التي بعث بها إلى قرائه كتب – ماركيز- لو شاء الله أن يهبني شيئاً من حياة أخرى فإنني سوف استثمرها بكل قواي، ربما لن أقول كل ما أفكر فيه، لكني حتماً سأفكر في كل ما سأقوله، سوف أمنح الأشياء قيمتها المستحقة.
■ سأنام قليلاً، وأحلم كثيراً، سوف أسير حين يتوقف الآخرون، وسأصحو حين ينام الجميع.
■ تعلمت أن الجميع يريد العيش في قمة الجبل غير مدركين السر في أن السعادة تكمن في تسلقه.
■ يتدفق الإبداع الإنساني النبيل، رقيقاً عذباً من القارة الأميركية، عالم يسحر الألباب، من الخيال والأساطير، وحده – ماركيز – نقل لنا سطور الدهشة، عن عالم عشنها بكل تفاصيله رغم أننا لم نزره، ولم نراه.
■ يقرأ الناس روايات ماركيز، وسيرة الثائر جيفارا، ويشاهدون إبداعات ميسي، وقبله مارادونا.
■ إحساس مختلف، نتعصب لهم، نحسن بقربهم منا حتى والعالم لا يخلو من نظرائهم ومنافسيهم، وتطيب الكتابة عن هؤلاء في زمن القحط، والكلويرا، وفي مراحل العزلة، والتردي والانحطاط.
■ يفرخ عالمنا العربي المتعب كل يوم زعماء سياسيين متهورين وقادة مليشيات متوترين، وعلماء دين متطرفين وتجار حبوب وحروب يملكون كل شيء.
■ كانت أميركا الجنوبية، والوسطى التي نعرفها من بعيد تقرأ للعرب، وتفخر بالعرب، وتقلد العرب، وكان زعماء مثل جمال عبدالناصر، يهزونها، ويخترقون أعماقها، يسحرون شبابها، ويفتنون قادتها.
■ اليوم ليس أمامنا غير الهروب إلى بعيد، في عصر السيطرة – الهيفاوية- نسبة إلى هيفاء وهبي الإعلام المسيخ – خادم مطيع للتفاهة والتافهين، والإبداع العربي عليل سقيم يصارع للبقاء في غرفة أل .. أن .. عاش.

الثورة

حول الموقع

سام برس